قلت: وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى - لقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي؛ أي: بعد وفاتي. انتهى من "المفهم".
قال القرطبي: ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا: أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما، وكانا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما هذان الكذابان، وتبهرجا لهما بترهاتهما، وزخرفا أقوالهما، فانخدع الفريقان بتلك البهرجة، فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه؛ لأنه كان يعتضد بهما، والسواران فيهما هما: مسيلمة وصاحب صنعاء؛ بما زخرفا من أقوالهما، ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه صلى الله عليه وسلم.
وأما مسيلمة .. فإنه بعدما جاء المدينة رجع إلى اليمامة على حالته تلك، واستقر عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم أمر مسيلمة، وأطبق أهل اليمامة عليه وارتدوا عن الإسلام، وانضاف إليهم بشر كثير من أهل الردة وقويت شوكتهم، فكاتبهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كتبًا كثيرة يعظهم ويذكرهم ويحذرهم وينذرهم إلى أن بعث إليهم كتابًا مع حبيب بن عبد الله الأنصاري، فقتله مسيلمة، فعند ذلك عزم أبو بكر الصديق على قتالهم رضي الله تعالى عنه والمسلمون، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما وتجهز الناس، وعقد الراية لخالد، وساروا إلى اليمامة، فاجتمع لمسيلمة جيش عظيم، وخرج إلى المسلمين، فالتقوا وكانت بينهم حروب عظيمة لم يسمع بمثلها، واستشهد فيها من قراء القرآن خلق كثير حتى خاف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن يذهب من القرآن شيء؛ لكثرة من قتل هناك من القراء، ثم إن الله تعالى ثبت المسلمين، وقتل الله تعالى مسيلمة الكذاب اللعين على يدي