للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهاجَرَ إلى المدينةِ واستقرَّ بها، وأُذِنَ لهُ في القتالِ بعدَما كانَ قبلَ الهجرةِ ممنوعًا؛ لحكمةٍ مشاهدةٍ، فقالَ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)[الحج: ٣٩]، وجعَلَ يُرسلُ السرايا.

* ولما كانتِ السنةُ الثانيةُ فرَضَ اللهُ على العبادِ الزكاةَ والصيامَ، فآياتُ الصيامِ والزكاةِ إنما نزلَتْ في هذا العامِ وقتَ فرضِها، وأما قولهُ تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٦ - ٧] فإنَّ المرادَ زكاةُ القلبِ وطهارتهُ بالتوحيدِ وتركِ الشركِ.

* وفي السنةِ الثانيةِ أيضًا كانتْ وقعةُ بدرٍ، وسببُها أنَّ عيرًا لقريشٍ تحملُ تجارةً عظيمةً من الشامِ، خرجَ النبيُّ بمن خفَّ مِنْ أصحابهِ لطلبِها، فخرجَتْ قريشٌ لحمايتِها، وتوافَوا في بدرٍ على غيرِ ميعادٍ، فالعيرُ نجَتْ والنفيرُ التقَوا معَ الرسولِ وأصحابهِ، وكانوا ألفًا كاملي العددِ والخيلِ، والمسلمونَ ثلاثُمائةٍ وبضعةَ عشرَ، على سبعينَ بعيرًا يَعتَقِبُونَها.

فهزَمَ اللهُ المشركينَ هزيمةً عظيمةً: قُتلَتْ سَرَواتُهم وصناديدُهم، وأُسِرَ مَنْ أُسِرَ منهم، وأصابَ المشركينَ مصيبةٌ ما أُصيبوا بمثلِها. وهذهِ الغزوةُ أنزلَ اللهُ فيها وفي تفاصيلِها سورةَ (الأنفال).

وبعدَما رجَعَ إلى المدينةِ منها مظفرًا منصورًا ذلَّ مَنْ بقيَ ممنْ لم يُسلِمْ من الأوسِ والخزرجِ، ودخلَ بعضُهم في الإسلامِ نفاقًا؛ ولذلكَ جميعُ الآياتِ التي نزلَتْ في المنافقينَ إنما كانتْ بعدَ غزوةِ بدرٍ.

* ثم في السنةِ الثالثةِ كانتْ غزوةُ أُحدٍ: غزا المشركونَ وجيَّشُوا الجيوشَ على المسلمينَ، حتى وصلُوا إلى أطرافِ المدينةِ، وخرَجَ إليهم رسولُ اللهِ بأصحابهِ، وعبَّأَهم ورتَّبَهم، والتقَوا في أُحدٍ عندَ الجبلِ المعروفِ شمالي المدينةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>