للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان المسلمونَ في مكةَ في أذًى شديدٍ من قريشٍ، فأَذِنَ لهم النبيُّ في الهجرةِ أولًا إلى الحبشةِ، ثم لما أسلَمَ كثيرٌ من أهلِ المدينةِ صارَتِ الهجرةُ إلى المدينةِ.

* وحينَ خافَ أهلُ مكةَ من هذهِ الحالِ اجتمعَ ملؤُهم ورؤساؤُهم في دارِ الندوةِ يريدونَ القضاءَ التامَّ على النبيِّ ؛ فاتفقَ رأيُهم أنْ ينتخبُوا من قبائلَ قريشٍ من كلِّ قبيلةٍ رجلًا شجاعًا، فيجتمعونَ ويضربونَهُ بسيوفِهم ضربةً واحدةً، قالُوا: لأجلِ أنْ يتفرَّقَ دمهُ في القبائلِ، فتعجزُ بنو هاشمٍ عن مقاومةِ سائرِ قريشٍ، فيرضونَ بالديةِ، فهم يمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرينَ.

فجاءَ الوحيُ إلى النبيِّ ، وعزَمَ على الهجرةِ، وأخبَرَ أبا بكرٍ بذلكَ وطلبَ منهُ الصحبةَ، فأجابَهُ إلى ذلكَ، وخرجَ في تلكَ الليلةِ التي اجتمعُوا على الإيقاعِ بهِ، وأمَرَ عليًّا أنْ ينامَ على فراشهِ، وخرجَ هوَ وأبو بكرٍ إلى الغارِ، فلم يزالوا يرصدونَهُ حتى برقَ الفجرُ، فخرجَ إليهم عليٌّ فقالوا: أينَ صاحبُكَ؟ قالَ: لا أدرِي.

ثم ذهبُوا يطلبونَهُ في كلِّ وجهةٍ، وجعلُوا الجِعالاتِ الكثيرةَ لمنْ يأتي بهِ، وكانَ الجبلُ الذي فيه الغارُ قدْ امتلأَ من الخلقِ يطلبونَ رسولَ اللهِ ، فقالَ أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ، لوْ نظَرَ أحدُهم إلى قدميهِ لأبصَرَنا. فقالَ: «يا أبا بكرٍ، ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهما» (١)؟ وأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)[التوبة: ٤٠].


(١) البخاري (٣٦٥٣)، ومسلم (٢٣٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>