ولا تحسبنَّ العقلَ هوَ الذكاءُ وقوةُ الفطنةِ، والفصاحةُ اللفظيةُ، وكثرةُ القيلِ والقالِ، وإنما العقلُ الصحيحُ أنْ يعقلَ العبدُ في قلبهِ الحقائقَ النافعةَ عقلًا يحيطُ بمعرفتِها، ويميزُ بينَها وبينَ ضدِّها، ويعرفُ الراجحَ من الأمورِ فيؤثِرهُ، والمرجوحَ أو الضارَّ فيتركهُ.
وبعبارةٍ أخرى مختصرةٍ نقولُ: العقلُ هوَ الذي يُعقلُ بهِ العلومُ النافعةُ، ويَعْقِلُ صاحبَهُ ويمنعُهُ من الأمورِ الضارةِ.
* فائدةٌ: ورَدَ في القرآنِ آياتٌ عامةٌ عُطِفَ عليهِ بعضُ أفرادِها الداخلةِ فيها، وذلكَ يدلُّ على فضيلةِ المخصوصِ وآكديَّتهِ، وأنَّ لهُ من المزايا ما أوجبَ النصَّ عليهِ، مثلَ قولهِ: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨]، ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ [القدر: ٤] وهو جبريلُ، ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨]، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾ [الأعراف: ١٧٠] دَخَلَ فيه الدينُ كلُّه، ثم قالَ: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأعراف: ١٧٠]، ومثلهُ: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] أي: اتَّبِعْهُ، ويدخلُ في ذلك جميعُ الشرائعِ، ثم قال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، وذكَرَ السببَ في ذلكَ.
إلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ التي إذا تأملتَ المخصوصَ من العامِّ؛ علمتَ أنَّ ذلكَ لشرفهِ وآكديَّتهِ، وما يترتبُ عليهِ من الثمراتِ الطيبةِ.
* فائدةٌ لطيفةٌ: في عدةِ آياتٍ من القرآنِ إذا ذكَرَ اللهُ الحكمَ لم ينصَّ على نفسِ الحكمِ عليهِ، بلْ يذكرُ من أسمائهِ الحسنى ما إذا عُلِمَ ذلكَ الاسمُ وعُلمَتْ آثارهُ؛ عُلِمَ أنَّ ذلكَ الحكمَ من آثارِ ذلكَ الاسمِ، وهذا إنهاضٌ من اللهِ لعبادهِ أنْ يعرفُوا أسماءَهُ حقَّ المعرفةِ، وأنْ يعلمُوا أنها الأصلُ في الخلقِ والأمرِ، وأنَّ الخلقَ والأمرَ من آثارِ أسمائهِ