والأمر الثاني: أنه ليس عندنا دليل على أن من أفطر يوماً من رمضان وصام سائر أيام رمضان، أن هذا الصيام يكون غير مقبول عند رب الأنام، لا دليل عندنا على هذا، وإذ لم يوجد مثل هذا الدليل فنعتمد حينذاك على الآية:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}[الزلزلة: ٧]{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة: ٨] وهو سيُجازى جزاءً حسنا على صيامه ويعاقب عقاباً سيئاً على إفطاره ليومه، إلا أن يغفر الله له، فهذا داخل تحت عموم مشيئة الله المنصوص عليها في قوله:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨].
هذا إذا كان قصد السائل هو أنه أفطر يوماً من رمضان عامداً متعمداً، وهذا الإفطار ليوم من رمضان، يُذَكِّر بمثل هذه المناسبة حديث على رؤوس المنابر وعلى رؤوس المجالس يزعمون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«من أفطر يوماً من رمضان لم يَقْضِه صوم الدهر وإن صامه» هذا حديث لعله يجوز لي أن أقول: هو والحمد لله غير صحيح؛ لأني أعلم ذلك، لكن ما أدري يجوز أن أقول والحمد لله: إنه غير صحيح؛ ذلك لأنه يجسم عقوبة المفطر في رمضان، ويبالغ بأنه لو صام الدهر كله ما استطاع أن يُعَوِّض ما فاته من فضل صوم ذلك اليوم الذي أفطره.
أقول هذا، بالإضافة إلى شيء مهم ذِكْره في هذه المناسبة، وإن كان متعلقاً بالصلاة التي هي ركن من الأركان الخمسة .. ركن من أركان الإسلام الخمسة كما تعلمون: لقد قال عليه الصلاة والسلام: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن تمت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت قال الله عز وجل لملائكته - وهنا الشاهد - انظروا هل لعبدي من تَطَوُّع فتُتِمّوا له به فريضته».
يعني: أن المسلم إذا قُدِّر أنه فَرَّط في صلاة ما، فالمخرج من ذلك قد أوضح سبيله هذا الحديث الصحيح وهو: أن يكثر من التطوع .. أن يُكْثِر من النوافل؛ حتى يعوض من أجورها المتوفرة لحسابه يوم لقاء الله، يُعَوِّض من هذه الأجور المتوفرة