قلت: وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والاحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ثم صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن ذلك، فالنهي منصب على اتخاذ قبور الأنبياء مباشرة، وغيرهم يلحق بهم، فكيف يعقل استثناؤهم! ؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة وقبور الأنبياء بلا شك طاهرة لأنهم كما قال عليه السلام:«إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل (١).
أحكام الجنائز [٢٧٠]
[حرمة بناء المساجد على القبور]
[مما يحرم عند القبور]: بناء المساجد عليها.
وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة وعبد الله بن عباس معا قالا: «لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال: وهو كذلك.
- لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر [مثل] ما صنعوا».
الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
(١) وقد فصلت القول في خطأ الطحاوي وتناقضه في الاستثناء المذكور في كتابي «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب». [منه].