هذه المسألة تشبه مسألة أخرى لكنها تختلف عن هذه اختلافا كلياً ذلك لأن العلماء قد ذكروا على اختلافهم في السفر مسافة ما بين القائل ثلاثة أيام بلياليها كالمذهب الحنفي، ما بين القائل يوم وليله كمذهب الشافعي.
أما المسألة التالية والتي سأضرب لها مثلاً يقرب مسألتنا هذه، وهي الماء الكثير الذي لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه، ما هو هذا الماء الكثير، أقوال معروفة أيضاً لكن يهمني منها قول الحنفية:«الماء الكثير ما في حوض مساحته عشرٌ في عشرٍ، عشرٌ في عشرٍ من الذي يستطيع أنه إذا وقف على بحيره على مكان فيه ماء أن يقول أن هذه عشرٌ في عشرٍ وأنها لا تنقص منها ذراع، هذا لا يستطيع إلا أقل الناس وبخاصة إذا كان ذلك المكان لا يشكل مكان مربعاً حتى يستطيع أن يقول قائل هذا مضلع عشر في عشر كأن يكون مثلاً مستديراً بحيرة، تعرفون بالمشاهدة حينما تهطل الأمطار بغزارة تتجمع هناك المستنقعات في أماكن متفرقة فهذه المستنقعات لا تكون بشكل هندسي أي كل ضلع عشرة أمتار، وإنما قد يشكل دائرة أو ما يشبه الأقواس المتقابلة المنحنية أو في داخل أو خارج إلى آخره من ذا الذي يستطيع إذا وقف أمام هذا الماء فيقول هذا عشرٌ في عشرٍ، دعك عن بعض البحيرات المصنوعة صنعاً هندسياً، إذا كانت مثمنة الأضلاع أو مسدسة الأضلاع لاشك أن هذا يحتاج إلى مهندس خريت ماهر حتى يقدِّر هل هذا عشرٌ في عشرٍ، لا يعقل أن يكلف الله عباده عز وجل مثل هذه التكاليف لذلك كان المذهب الصحيح هو ما أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» فما دمت تراه ماءً فهو طاهر مطهر، وما دمت تراه على العكس من ذلك قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة وقعت فيه خرج عن كونه ذلك الماء الطاهر المطهر.
هكذا الإسلام دين سهل عملي يستطيع البدوي الذي لا ثقافة عنده أن يتجاوب مع أحكامه لسهولتها بينما إذا نظرنا إلى ما اجتهد بعض العلماء فجاؤوا بقيود لم تثبت في السنة كما قلنا آنفاً في الكلام على السفر فيكون ذلك من الأدلة على أن هذه القيود إنما هي قيود اجتهادية وشروط لا يلزم بها المكلف وقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ولوكان مائة