أصحابه على أن قراءة الصلاة: هل هي قراءة واحدة؛ فيكفي فيها استعاذة واحدة، أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها؟ قال ابن القيم في «الزاد»«١/ ٨٦»: «والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر؛ للحديث الصحيح عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نهض من الركعة الثانية؛ استفتح القراءة ولم يسكت.
وإنما يكفي استفتاح واحد؛ لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمدُ اللهِ، أو تسبيح، أو تهليل، أو صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك».
كذا قال والظاهر خلاف ما استظهر، وأنه لا يكفي استعاذة واحدة؛ بل لابد من الاستعاذة في كل ركعة؛ قال الشيخ العلامة محمد حامد الفقي السلفي رئيس «جماعة أنصار السنة» في تعليقه على «المنتقى من أخبار المصطفى»«١/ ٤٣٤»: «والظاهر أنهما قراءتان؛ لطول الفصل بالركوع والسجود، وهي حركات كثيرة؛ فلكل ركعة تعوذ. وحديث أبي هريرة لا ينفي هذا؛ لأنه إنما نفى السكتة المعهودة عنده، وهي التي فيها الاستفتاح.
أما سكتة التعوذ والبسملة؛ فلطيفة جداً لا يحس بها المأموم؛ لاشتغاله بحركة النهوض للركعة.
وأيضاً: فإن كل ركعة معتبرة صلاة؛ ولذلك أوجبوا قراءة «الفَاتِحَة» لكل ركعة، فأولى أن تعتبر كذلك للتعوذ، وهذا الذي رجحه ابن حزم في «المحلى»، وهو الصواب».
قلت: واحتج ابن حزم «٣/ ٢٤٧» بعموم قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وهو احتجاج صحيح لا شائبة فيه؛ قال الحافظ في «التلخيص»«٣/ ٣٠٦»: «وعموم هذه الآية يقتضي الاستعاذة في أول كل ركعة. وهو الذي استظهره الرافعي في «الشرح الكبير»؛ قال: وبه قال القاضي أبو الطيب الطبري، وإمام الحرمين، والرُّوياني وغيرهم».