للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم، وابن الجوزي فيما ذكره الحافظ في «الفتح» «٣/ ١٧٤» والحق: إنه حرام؛ لما ذكرنا من أن أصل النهي التحريم، ولم يرد شيء يخرجه منه إلى الكراهة، بل جاء ما يؤكده؛ وهو: ما رواه أبو هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده؛ خير له من أن يجلس على قبر».

أخرجه مسلم «٣/ ٦٢»، وأبو داود «٢/ ٧١»، والنسائي «١/ ٢٨٧»، وابن ماجه «١/ ١/٤٧٤»، وأحمد «٢/ ٣١١ و ٣٨٩ و ٤٤٤».

وما رواه عقبة بن عامر مرفوعاً: «لأن أمشي على جمرة، أو سيف، أو أَخْصِفَ نعلي برِجْلي؛ أحب إليَّ من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أَوَسَطَ القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق»! .

أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح.

وقد أغرب بعض الأئمة؛ فَأَوَّلَ الجلوس على القبر بالجلوس لغائط أو بول! وهو تأويل ضعيف أو باطل - كما قال النووي -، وقد بين بطلان ذلك ابن حزم في «المحلى» «٥/ ١٣٦» من وجوه؛ فراجعها فيه.

وقال الشافعي في «الأم» «٢٤٦»: «وأكرهُ وطْء القبر والجلوس والاتكاء عليه، إلا أن لا يجد الرجلُ السبيلَ إلى قبر ميِّتِه إلا بأن يطأه؛ فذلك ضرورة، فأرجو حينئذٍ أن يسعه إن شاء الله».

قلت: إن كان القصد من الوصول إلى قبر الميت لأجل الزيارة فقط؛ فليس ذلك بضرورة يُستحل بها ما تقدم من الوعيد الشديد؛ لأن الزيارة تتحقق من بعيد، وليس من شرطها الوصول إلى القبر نفسه؛ ولذلك قال أبو حنيفة رحمه الله: «لا يوطأ القبر إلا لضرورة، ويزار من بعيد، ولا يَقْعُد، وإن فعل؛ يكره».

كذا في «رد المحتار» «١/ ٨٤٦» نقلاً عن «خزانة الفتاوى».

وظاهر قوله: «يكره»: أنه كراهة تحريم؛ لأنها المراد عند الإطلاق، وهو الموافق لما سبق من الأحاديث. والله أعلم. وللبحث تتمة؛ يراجع في «التعليقات الجياد».

<<  <  ج: ص:  >  >>