ولم يقف النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود موقفًا صارمًا لسمعهم لغة السيف الدامية إلا عندما ارتكب فريق منهم (وهم ينو قريظة) أشنع وأخس جريمة في تاريخ الغدر والخيانة، حينما نكثوا العهد وخانوا الميثاق وداسوا شرف الكلمة التي أُعطوها، فانضموا إلى الغزاة من قريش وغطفان في غزوة الأحزاب الرهيبة.
واستعدوا لضرب المسلمين من الخلف في أدق ساعات مصيرهم، مستهدفين القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين استئصالًا تامًّا، غير مبالين بما أعطوا من عهد ولا ملتفتين إلى ما أبرموا من مواثيق.
فكان جزاؤهم الإبادة الكاملة، وهو المصير الذي قد وطدوا العزم على أن يدفعوا المسلمين إليه عندما وضعوا أيديهم في أيدى الغزاة من الأحزاب وظاهروهم على المسلمين قولًا وعملًا، فكانت صرامة العقوبة "وهي إبادة حوالي ثمانمائة مقاتل من هؤلاء اليهود في يوم واحد بعد اندحار الأحزاب" تتناسب وجريمة الخيانة العظمى التي ارتكبها هؤلاء اليهود ضد المسلمين الذين كان يربطهم بهم ميثاق تحالف، ومعاهدة عدم اعتداء، وعهد تواطن في إطار أمة واحدة يجمعها وطن واحد وهو يثرب (١).
(٢)
وبما أن غزوة بنى قريظة، هي المعركة الكبرى والأخيرة التي بها تمت تصفية العنصر اليهودى في يثرب، وبها تم تطهير تلك البقعة الطيبة من شرور ذلك النوع الخبيث من البشر، وبما أن صلة هذا النوع بجزيرة
(١) نصت المعاهدة المعقودة بين المسلمين واليهود على أن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. انظر سيرة ابن هشام ج ١ ص ٥٠٣ وما بعدها.