للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد (١).

كما يشير الواقدي أيضًا إلى أن مسألة إشاعة التحشدات الرومانية على حدود الجزيرة العربية يوم ذاك، كانت إشاعات غير صحيحة، فقد جاء في مغازيه: وكانت الساقطة - وهم الأنباط - يقدمون المدينة بالدرمك (٢) والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإِسلام، فإنما أخبار الشام عند المسلمين كل يوم، لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسروا بها، وتخلف هرقل بحمص، ثم يقول الواقدي: ولم يكن ذلك، وإنما شيء قيل ولم يكن شيء أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوه منهم من العدد والعدة والكراع (٣).

وعلى أي كان الحال، فسواء كان سبب عدم المواجهة العسكرية بين المسلمين والرومان على الحدود نكول الرومان عن الحرب بعد أن استعدوا لها، أو أنهم لم يستعدوا أصلًا وإنما أشاعوا ذلك للإِرجاف والإِرهاب، فإن هذه الحملة العسكرية الضخمة التي قادها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك قد حققت للإِسلام والمسلمين مكاسب عظيمة.

منها (وهي أهمها) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى الرومان بحملته هذه التي أوشكت على اجتياز حدود الشام، وبث الرعب في نفوسهم بحيث زالت من أذهانهم تلك الصورة المغلوطة المرتسمة في أذهانهم عن المسلمين الذين لا ينظر إليهم هؤلاء الرومان إلا على أساس أنهم جماعات ضعيفة متفرقة من البدو الذين لا ضابط لهم ولا انضباط، وإنما هدفهم من وراء الحروب الحصول على شيء من المال والمال فقط.

ولا أدل على أن الرعب قد انتاب القيادة الرومانية في الشام، من أنها (رغم قواتها الضاربة) لم تحرك ساكنا، ولم تبعث بجندى واحد إلى


(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥٣.
(٢) الدرمك دقيق الحواري، قاله في الصحاح ص ١٥٨٣.
(٣) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٨٩ - ٩٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>