الخاص يقضي على العام عند الجمهور؛ فقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥] دليل عام، والأحاديث الواردة في أشخاص معينين دليلٌ خاص، فما أخرجه دليلٌ خاص خرج من العموم، وما لم يخرجه بقي على عمومه داخلًا فيه.
قال شيخنا: إنَّ هذا التخصيص لو قلنا به لأبطل ذلك حكمة العام؛ لأنَّ الله تعالى تمدَّحَ بكمال الإنصاف، وأنه لا يعذب أحدًا حتَّى يقطع حجة المعذَّب بإنذار الرسل له في دار الدنيا، فلو عَذَّبَ أحدًا من غير إنذار لاختلَّتْ تلك الحكمة التي تمدَّحَ اللَّه بها، ولثبتتْ لذلك المعذَّب الحجةُ على الله التي أرسلَ الرسلَ لقطعها كما بيَّنَهُ تعالى في سورة النساء:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} الآية [النساء: ١٦٥].
وهذه الحجّة التي أرسل الرسل لقطعها بينها في آخر سورة طه بقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه: ١٣٤]، وقال تعالى في سورة القصص:{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص: ٤٧].