ولما وصلتُ (كانو) سألتُ الأخ محمَّد محمود هل عهدُهُ بصندوق البريد قريب؟ فأرسلَ إليه رسولًا جاءني بخطاب من شيخي يقول فيه:"يا ابني حصلتُ لك على مساعدة شهريَّة من أحد المحسنين تساعدك على الدِّراسة، ولا تتجاوز (فورلامي)(١) إلّا وأنت تحمل جوازًا دوليّا لَعَلِّي أحصلُ لك على الجنسية السُّعودية".
وفعلًا حصلتُ على الجواز الفرنسي من عاصمة تشاد، لأننا وإيّاها من المستعمرات الفرنسيَّة.
ولقد وصلتُ مدينة جدَّة في رجب ١٣٧٤ هـ، وأرسلتُ برقيةً إلى الشَّيخ وهو بالرِّياض أخبرهُ بوصولي، فردَّ بأنَه سيتوجَّهُ في شعبان ليصومَ رمضان بالمدينةِ المنوَّرة، وفعلًا حصلَ ذلك فاجتمعتُ به بحمد الله بالمدينة المنورة ولازمته كاتبًا له، وخادمًا، ومتعلمًا، وكان لي الشَّرفُ بذلك كلِّه.
وفي أول السُّنَّةِ الدِّراسية لعام ١٣٧٥ هـ سافرتُ معه إلى الرِّياض، وعَرَضَ علي الالتحاقَ بالسنة الثَّالثة من كلية الشَّريعة، وقال: "يا ابني أرى أنَّ هذا التَيار الجارف للناس مَنْ لم يحصلْ فيه على
(١) فورلامي: هي عاصمة "تشاد" الآن التي تُدعى "انجامينا"، كان هذا اسمها أيام الاستعمار الفرنسي [Fort Lamy].