مثال ذلك: شخص اشترى من آخر مئة صاع بُرًّا، وأعطاه ساعة تساوي مئة ريال، قال: إن جئتك بحقك في محله -يعني في الوقت الذي حددناه- وإلا فالساعة لك، أو إن جئتك بحقك في خلال يومين وإلا فالساعة لك. ولم يأتِ بحقه في هذه المدة تكون الساعة له، لمن؟ للبائع، هذا -في الواقع -بيع معلق. يقول: فلا يصح؛ لأنه بيع معلق، والبيع المعلق لا يصح.
لو قال قائل: أليس الأصل في المعاملات الْحِل؟ قلنا: بلى. إذن لماذا لا يصح هذا؟ ! ولهذا كان القول الراجح أنه يصح أن يعطي البائع رهنًا، ويقول: إن جئتك بحقك -يعني بالثمن- في خلال ثلاثة أيام، وإلا فالرهن لك، نقول: الصحيح أنه يصح.
لكن لو فُرض أن المشتري حُبِس بأمر قهري، لم يستطع، وكان ثمن الرهن أضعاف أضعاف الثمن الذي رهنه به، فهل نقول -في هذه الحال- بالصحة مع وجود الغَبن الكثير، أو نقول -في هذه الحال-: لا يصح العقد؟
طالب: الثاني.
الشيخ: الثاني، الثاني هو الصحيح.
إذن القول الصحيح في هذه المسألة: أن العقد يصح، لكن إذا تأخر عن وقت الحلول بأمر قهري وكان ثمن الرهن أضعاف أضعاف ما رهنه به فهنا نقول: بأنه لا يصح العقد، أو نقول بالصحة لكن للمشتري الخيار؛ لأنه مغبون.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، فإنه قد اشترى من بقَّال حاجة ورهنه نعليه -الإمام أحمد- وقال له: إن جئتك بحقك بوقت كذا وإلا فهما لك. فتكون رواية ثانية عن الإمام أحمد -رحمه الله-: أن هذه المسألة تجوز، وهو القول الراجح كما عرفتم.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن هذا لا يصح؟
قلنا: لأنه بيع معلق؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ»(٦)، (لا يَغلَق) يعني: لا يؤخذ على سبيل الغَلَبة من صاحبه. فيقال: أما هذا الحديث فلا دليل فيه؛ لأن الرهن هنا هل أُخِذ على سبيل الغلبة؟