للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: (إلا الكلب والحشرات)، الحشرات لا يصح بيعها، والعلة أنه ليس فيها نفع، فبذْل المال فيها إضاعة له، وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إضاعة المال (٤)، وعلم من هذا التعليل أنه لو كان فيها نفع جاز بيعها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا كان فيها نفْع فلا بأس، قال: ومن النفع العلق لمص الدم، والديدان لصيد السمك.

يقول: (والمصحف) رحمة الله على المؤلف في سياق هذه الصيغة، يعني عطف المصحف على الحشرات أسلوب ليس بجيد، لكن -عفا الله عنه- لو أنه أفرده بجملة واحدة لكان أوْلى، لكن يريد المؤلف -رحمه الله- أن المصحف لا يصح بيعه؛ ووجه ذلك أن الواجب على من استغنى عنه أن يبذله للمحتاج إليه، فإذا كان هذا هو الواجب فيُقال: من لم يستغنِ عنه لا يحل له أن يبيعه؛ لأنه محتاج إليه، ومن استغنى عنه وجب عليه بذله بلا عِوض؛ لأن الواجب لا يؤخذ عليه عوض، ولهذا قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ودِدْت أن الأيدي تقطع ببيعه (٧).

شوف إلى هذا الحد، فجعل آخذَ ثمنِهِ بمنزلة السارق تُقطع يده، وعلَّلوا ذلك أيضًا بتعليل آخر، قالوا: لأن بيعه ابتذال له؛ حيث يُجعل كالسِّلع العادية، تبيع المصحف، مَنْ يشتري المصحف، ابتذال لكلام الله عز وجل، فلا يجوز أن يُباع.

فصار عندنا الدليل على هذا أثر ونظر؛ الأثر أثر ابن عمر رضي الله عنه، وأما النظر فيقال: إن كان الإنسان مستغنيًا عنه فبذْلُه واجب، والواجب لا يجوز أخذ العِوَض عنه، وإن كان غير مستغنٍ عنه، فإن بيعه حرام عليه؛ لأنه محتاج له، فلا يصح.

وتعليل آخر -دليل نظري-: هو أن في بيعه ابتذالًا له، والمصحف يجب أن يُحترم ويُعظَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>