لو قال قائل: إنه لا يجب مبيت في مزدلفة، ولا في منى، ولا رمي جمرات، ولا طواف ولا سعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعروة بن المضرس:«مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا هَذِهِ». أو قال:«مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ»(١٠). لو استدل واحد بهذا الحديث على سقوط ما بعد عرفة؟
طالب: نقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أن التمام قد يكون ركن، وقد يكون تمام الشيء ركنًا، وقد يكون واجبًا، وقد يكون سنة ( ... ).
الشيخ: لا، هذا لا بأس لكن ما يتوجه هنا.
طالب: تم حجك فيما مضى، ويبقى عليك ما بقي.
الشيخ: إي، صحيح؛ لأن الرجل يسأل عن الوقوف بعرفة، فقال:«فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أي باعتبار ما مضى مما سألت عنه، وإلا فلا يمكن لأحد أن يقول: إنه يسقط طواف بالبيت؛ لأن الطواف بالبيت طواف الإفاضة ركن بإجماع المسلمين، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه أن الحج يصح بدونه فيكون معنى الحديث أنه جواب عن سؤال خاص، فيكون تم حجه باعتبار ما مضى.
قال المؤلف رحمه الله في بقية الكلام على طواف الوداع:(وإن تركه غير حائض رجع إليه) رجع إليه منين؟ إذا ذكر قُرْب مكة أو عَلِم، وكان جاهلًا بالأول فإنه يرجع إليه ويطوف.
(فإن شق) عليه الرجوع بأن يكون مع رفقة لا يمكن أن يتخلف عنهم.
(أو لم يرجع) تعمد ألا يرجع.
(فعليه دم) ونزيد أمرًا ثالثًا: إذا بعد عن مكة فإنه لا يرجع، لا يلزمه الرجوع، ولو رجع لم يسقط عنه الدم كما لو سافر حتى إذا وصل نصف الطريق وهو من أهل القصيم ندم أنه لم يكن طاف للوداع، ثم رجع، نقول: لو رجع لا يسقط عنه؛ لأنه بمفارقة مكة ولا يكون مفارقًا لها إلا إذا كان بينه وبينها مسافة القصر صار الدم ثابتًا في ذمته، وعلى هذا فيسقط إذا شق، أو مضى ولم يرجع، أو تجاوز مسافة القصر.