وقد صرح بذلك علماء الحنفية رحمهم الله وقالوا: إن ليلة الثالث عشر تابعة لليوم فيكون الحج للتعجُّل ما هو؟ طلوع الفجر، ويكون ما دام الليل باقيًا فله أن يتعجل؛ لأن اليوم تابع للنهار، كما أتبعتم ليلة الثاني عشر بل ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر لليوم الذي قبله، وكما أتبعت السنة ليلة العيد في يوم عرفة لليوم التاسع لكن جمهور العلماء يحددون ذلك بالغروب ويقولون: إن الليلة لليوم الذي بعدها ما لم يكن دليل واضح أنها تابعة لما قبلها.
قال:(والرمي من الغد) ومتى يكون الرمي من الغد؟ بعد الزوال يكون الرمي من الغد بعد الزوال فيرمي، وينهي الحج.
(فإذا أراد الخروج من مكة) يعني بعد انتهاء النسك كله.
(إذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع).
قوله:(لم يخرج) يعني تحريمًا ولَّا كراهة؟ تحريمًا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض (٢). فقوله: إلا أنه خفف عن الحائض. يدل على الوجوب على غيرها؛ لأنه لو كان غير واجب على غيرها لكان خفيفًا على كل الناس؛ لأن ما لا يجب ليس الإنسان ملزمًا به؛ فله تركه. فالصواب أن طواف الوداع واجب.
وقد عكس بعض الأئمة رحمهم الله فقال: طواف الوداع سنة، وطواف القدوم واجب مع أن السنة تدل على العكس بدليل حديث عروة بن المضرس (٣) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: هل طفت للقدوم؟
(لم يخرج حتى يطوف للوداع) نشوف المؤلف.
يُستثنى من ذلك: الحائض؛ فإنها لا تطوف للوداع، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أُخبر أن صفية قد طافت طواف الإفاضة قال:«انْفِرُوا»(٤)، فأسقط عنها طواف الوداع، ويدل لهذا أيضًا حديث ابن عباس: إلا أنه خُفِّف عن الحائض (٥). ولأن طواف الوداع ليس من النسك بل هو تابع له، فسقط بتعذره شرعًا بخلاف طواف الإفاضة، طواف الإفاضة لا يمكن أن يسقط عن الحائض والنفساء.