وفي هذا القول نظر، والصواب أنه لا يجزئ، وأنه يجب أن يرمي كل جمرة في يومها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي كل يوم في وقته، ويكلف نفسه أن يمشي إلى الجمرات، وأن يقف بعد الجمرتين الأولى والثانية، وقال:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»(٧)، ولأنه رخص للرعاة أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا (٢٣)، وكلمة (رخص) تعني أن غيرهم غير مرخص لهم.
وهذا هو المتعين أنه لا يجوز أن يجمع الجمرات في آخر يوم إلا إذا كان هناك حاجة، الحاجة مثل أن يكون الإنسان مريضًا لا يستطيع أن يتردد كل يوم إلى الجمرات، أو يكون بعيدًا عن الجمرات يشق عليه التردد مثل أن يكون في آخر منى من الناحية الشرقية، فهذا يشق عليه أن يتردد، وربما يكون أبعد من هذا فنقول، إذا كان هناك سبب يقتضي أن يؤخر فلا بأس، وأما بدون سبب فلا وجه لهذا القول إطلاقًا.
وسبحان الله، النبي صلى الله عليه وسلم يأتي كل يوم ويرمي الجمرات، ونقول: لا بأس أن تجمع، هذا بعيد من الصواب، ولكن إذا جمع إما مطلقًا -على ما يفيده كلام المؤلف- وإما لعذر.
يقول المؤلف:(يرتبه بنيته) يرتبه: أي يرتب الرمي بنيته، فيرمي الثلاث أولًا عن اليوم الحادي عشر، ثم يعود ويرميها عن الثاني عشر، ثم يعود ويرميها عن الثالث عشر، ولا بد؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فلا بد أن يأتي بعبادة اليوم الأول قبل عبادة اليوم الثاني، ولا يجوز أن يجمع رمي الأيام الثلاثة في موقف واحد، فيرمي مثلًا الأولى بإحدى وعشرين حصاة عن ثلاثة أيام، والوسطى كذلك، والأخيرة كذلك، هذا لا يجوز؛ لأنه الآن دخل العبادات بعضها ببعض، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلها كل يوم على حدة.
فإن قال قائل: ألستم تجيزون لمن ناب عن غيره في الرمي أن يرمي عن نفسه وعن موكله في مكان واحد؟