وهذا فيه تردد، أما شربه لإزالة العطش فواضح، لرفع الجوع واضح، للمرض واضح؛ لأن المرض علة بدنية عضوية، يمكن أن يزول بشرب زمزم كما يزول العطش والجوع، لكن مسائل معنوية عقلية الإنسان يشك في هذا، إلا أن نقول: لا يضرك، انْوِ ما تريد إن كان الحديث يتناوله حصل لك المقصود، وإلا لم تأثم، لو شربه الفقير للغنى نقول: إذا كنا نتردد في شربه للحفظ وقوة الحفظ فمن باب أولى للغنى.
لو شربه إنسان خطب امرأة وهو بين الرد والإجابة، وشربه لأجل يجيبونه، نعم، إذا أخذنا بالعموم قلنا: لما شرب له، لكن مثل هذا لا يظهر لي -والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراده؛ لأن هذه لا علاقة لها بالبدن الذي يستفيد بالشرب.
يقول:(لما أحب، ويتضلع منه، ويدعو بما ورد) يتضلع منه؛ يعني: يروى كثيرًا حتى تتسع أضلاعه من كثرة الماء في بطنه؛ لأنه ورد أن التضلع من ماء زمزم هو الفرق بين المؤمن والمنافق؛ لأن المؤمن يؤمن بأنه شفاء وأنه نافع، والمنافق لا يؤمن بهذا، فالمنافق لا يشرب منه إلا عند الضرورة لدفع ضرورة فقط، والمؤمن يشرب ويتضلع رجاء بركته التي جاءت في الحديث:«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»(١٤).
قال بعضهم: ويستقبل القبلة، ولكن هذا ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرب من ماء زمزم (١٥) ولم يرد عنه أنه استقبل القبلة، ولا أنه رفع يديه يدعو بعد ذلك، لكن ورد فيه أدعية أشار إليها المؤلف -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يشرب من ماء زمزم دعا بدلو –الدلو: الذي يُسقى به الناس- فأراد عمه العباس أن يرسل الفضل ابنه إلى أم الفضل لتعطيه من الماء الذي كان قد خبأه عندها، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم وشرب مما يشرب الناس منه (١٦)، كل هذا ليدفع التكلف عن الأمة، وتواضعًا لله عز وجل.