قال:(ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أو غيره) أي: غير متمتع (ولم يكن سعى مع طواف القدوم) قوله -رحمه الله:(ثم يسعى بين الصفا والمروة)، وسبق صفة السعي وعدده إن كان متمتعًا، وعلى هذا فيلزم المتمتع سعيان؛ أحدهما للعمرة والثاني للحج، وهذا هو القول الصحيح المتعين؛ لأن ذلك صريح في حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أن الذين حلوا طافوا طوافين بين الصفا والمروة (٩)، فقد فصلت رضي الله عنها بذلك تفصيلًا بيِّنًا واضحًا، ثم إن نسك العمرة انفصل عن نسك الحج، فبينهما حل تام، فكيف يقال: إن السعي الذي قام به المتمتع أولًا يكفي عن سعي الحج؟ هذا لا يُمكن أن يُقال به.
ثم يُقال أيضًا: لو قلتم: إن سعي الحج قُدِّم، قلنا: هذا لا يصح، كيف يُقدم سعي الحج قبل الإحرام بالحج، وهل يمكن أن يركع الإنسان قبل أن يدخل في الصلاة؟ لا يمكن، وليس لمن قال بأن المتمتع يكفيه سعي واحد إلا ما يفيده ظاهر حديث جابر، قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا؛ الطواف الأول (١٠).
والإجابة عن هذا سهلة جدًّا، ما هي؟ أن يُقال: المراد بأصحابه الذين لم يحلوا وكانوا مثله، وهذا سهل الإجابة عنه، فالصواب المقطوع به عندي أنه لا بد من طواف وسعي في الحج، كما أنه قد طاف وسعى في العمرة.
قال المؤلف (أو غيره، ولم يكن سعى مع طواف القدوم)(أو غيره) غير من؟ غير المتمتع، وهو القارن والمفرد، فيسعى بعد طواف الإفاضة إن لم يكن سعى مع طواف القدوم، فإن كان سعى مع طواف القدوم كفى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قارنًا وسعى بعد طواف القدوم، ولم يعد السعي مرة أخرى (١١)، ولأنه لا يجب في الحج سعيان، فإن قال قائل: قد أوجبتم طوافين؛ طواف القدوم، وطواف الإفاضة. قلنا: لم نوجب طواف القدوم، بل هو سُنة.