(وإيصاء) المؤلف رحمه الله أطلق الإيصاء، والشارح قيدها في غير مال، وهذا القيد قد ندعي أنه معلوم من كلام المؤلف، كيف؟ لأنه قال:(ليس بمال ولا يُقْصَد به المال)، وعلى هذا فيكون إيصاء في غير المال.
مثل أن يوصي إليه بالنظر في حق أولاده الصغار، قال: أوصيت إلى فلان يلاحظ أولادي الصغار ويقوم بتربيتهم، أو يوصي إليه بتزويج بناته، على القول بأن ولاية النكاح تُسْتَفاد بالوصاية، والمسألة سبق لنا أن فيها خلافًا، وأن الصحيح أن الولي في النكاح إذا مات سقطت ولايته أصلًا وفرعًا، وأن ولاية النكاح لا تُسْتَفاد بالوصاية، بل هي ولاية شرعية من قِبَل من؟ من قبل الشارع.
على كل حال المذهب أن ولاية النكاح تُسْتَفاد بالوصاية، فيكون قول المؤلف:(إيصاء) يعني: في غير المال؛ مثل إيصاء في النكاح، إيصاء في النظر على الأولاد، لا بد فيه من رجلين، فإذا جاءنا إنسان بعد الموت، وقال: إن ميتكم أوصى إلي بأن أزوج أخواتكم -أي: بناته- فإذا طلبنا البينة منه فكم نطلب؟ نطلب رجلين، لو أتى برجل واحد ما نقبل، لا بد أن يأتي برجلين.
***
ثم قال المؤلف:(وَيُقْبَل في المال وما يُقْصَد به المال؛ كالبيع، والأجل، والخيار فيه ونحوه) يعني: وشبهه؛ مثل: القرض، والرهن، والغصب، والإجارة، والوقف، والمساقاة، والمزارعة، والشركة .. كل المعاملات المالية، أو ما يتعلق بها من شروط أو أوصاف، كلها تسمى مالًا أو يُقْصَد به المال.
هذه بينتها أوسع البينات، والحكمة أن التعامل بها أكثر المعاملات، لو نَسَبْتَ المعاملات في الأنكحة إلى المعاملات في البيوع، أيهما أكثر؟
طلبة: البيوع.
الشيخ: البيوع؟
الطلبة: إي نعم.
الشيخ: إي نعم، البيوع بلا شك، يمكن يبيع باليوم مئة مرة، مئة عقد، ولَّا لا؟ إي نعم، لهذا من حكمة الله عز وجل ورحمته أنه وسع البيِّنة في الأموال؛ لكثرة تلبس الناس بها، وهذه من الحكمة، لم يجعل الله البينة رجلين فقط أو ثلاثة، لا، أوسع.