للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقالوا: إنَّ الشرع تَرَكَهم على هذا الشيء لأنه مألوف عندهم، فلما استقر الإيمان في نفوسهم نَهَى عنه، ويكون قَسَم الرسول صلى الله عليه وسلم بِأَبِيهِ قبل النَّهْي، وحينئذٍ نقول: إنه منسوخ، ولكن النسخ من شروطه: العلم بالتاريخ، ومجرد التعليل ليس حكمًا بالتأخر أو التقدم، ما يكفي هذا، لا بد أن نعلم التأخر، وحينئذ فالقول بالنسخ أيضًا ضعيف.

ثالثًا: قالوا: إن هذا مما يجري على اللسان بغير قصد، فيكون من لَغْو اليمين، وقد قال الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩]، وهذا كان يجري على اللسان بغير قَصْد فَتُرِك، تُرِك يعني .. وحتى الآن لو فرضنا الناس معتادين على هذا معناه نتركهم، وعليه فالذين اعتادوا أن يحلفوا بالنبي ما ننهاهم؛ لأن هذا يجري على ألسنتهم، وقد قَصَصْتُ عليكم قصة الرجل الذي كان يريد أن يستفتي ويقول: والنبي أنْ تُفتيني في هذه المسألة، فقلت: حرام، سكت الرجل، قال: والنبي ما عمري أعود لهذا الشيء، هذا ما يصلح.

يعني هذا القول وجيه ولَّا لا؟ أنه مما جرى على اللسان بغير قصد؟

هذا أيضًا غير وجيه، ولا يستقيم مع قول الرسول: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» (١)، لا يستقيم، هو نَهَى عن هذا بالذات، هو ما كان منهي عنه بذاته، كيف نقول: إنَّ هذا الرسول أقرَّه، وأنه يبقى حكمه إلى الآن؟ لا يمكن.

الوجه الرابع: قالوا: إن النهي عن الحَلِف بغير الله خوفًا من أنْ يقع في قلب الحالف من تعظيم هذا المحلوف به كما يكون في قلبه من تعظيم الله، وهذا بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ممتنع، لا يمكن أن يقوم في قلبه تعظيم أب هذا الرجل الأعرابي الذي جاء يسأل كتعظيم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>