للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: الحَلِف بغير الله محرَّم وشرك، ولكن فَعَلَهُ أتقى الناس لله، محمد رسول الله، فإنه جاءه أعرابي وسأله عن شعائر الإسلام فأخبره، ثم قال الرجل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، أقسم بأنه لا يزيد ولا ينقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» (٤)، فكيف نقول: إنَّ الحَلِف بغير الله محرَّم أو شرك، والشرك ممتنع على الأنبياء؛ لأنه ينافي دعوتهم تمامًا؛ إذ إنهم يدْعُون إلى أي شيء؟

طلبة: التوحيد.

الشيخ: إلى التوحيد، والشرك ينافيه ولو كان صغيرًا، إن كان كبيرًا فهو ينافي أصله، وإن كان صغيرًا ينافي كماله، كيف الرسول يحلِف بأَبِيه، «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»؟

فالجواب: أنَّ من العلماء من قال: إنَّ هذا الحديث محرَّف، وأن أصله: أفلح والله، لكن لَمَّا كانوا في الأول لا يُنقِّطون فإن (أبيه) فيها مثل (الله)، كم فيها من نَبْرة؟ ولَّا نبرتين مع الهاء.

طلبة: نبرتين مع الهاء.

الشيخ: نبرتين مع الهاء، فهي مثل (الله)، لكن قَصُرَت النبرتان، وحُذِف الإِعجام فصارت؟

طلبة: وأبيه.

الشيخ: وأبيه، وهذا غير صحيح، لماذا؟ لأن الأصل عدم التحريف؛ ولأن هذا يفتح علينا بابًا خطيرًا بالنسبة للرُّواة؛ إذ كل شيء لا تقبله نفوسنا نقول: هذا محرَّف، هذا فتح باب شر، ولا يستقيم هذا.

ثانيًا: قالوا: إنَّ هذا قبل النهي عن الحَلِف بالآباء، وأنه كان في الأول كثيرًا شائعًا، والناسُ قد أَلِفُوه، فتأخر النهي عنه، كما تأخر النهي عن الخمر، فإنها لم تحرَّم إلَّا في السنة السادسة من الهجرة، وكذلك الحجاب -حجاب النساء- ما وجب إلَّا في السنة السادسة من الهجرة؛ لأنَّ الشيء المألوف يصعُب على النفس أَنْ تَدَعَهُ في أول الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>