والوجه الثالث: أن يصطاد على سبيلٍ يؤذي الناس؛ مثل أن يستلزم لصيده الدخول في مزارع الناس وإيذاؤهم، وربما يكون فيه انتهاك لحرماتهم؛ أي: للتطلع إلى نسائهم في أماكنهم، فهذا يكون حرامًا؛ لما يستلزمه من الأذية للمسلمين.
هذا بالنسبة للصيد من حيث هو صيد.
أما آثار الصيد؛ فإن الصيد يبهج النفس ويسرها، ويعطي الإنسان نشاطًا وحيوية لا يعرفها إلا أهل الصيد، فتجدهم يجدون من اللذة والسرور، وإن كانوا يتعبون، ويطاردون الطيور والصيود، ويخرجون إليها في الليالي القارسة والأيام الحارة، لكن هم يجدون في هذا لذة ومتعة.
كذلك أيضًا في الصيد مصلحة تعلُّم الرمي، وتعلم الرمي من الأمور المشروعة، قال الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠]، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ»(١٠)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام:«ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا»(١١). إذن ففيه مصلحة؛ وهي تعلم الرمي، وتعلم الرمي أمر مشروع.
فصار الآن الصيد من حيث هو صيد يكون على ثلاثة أوجه؛ عبث، وللحاجة والأكل، ومع أذية الناس، فالعبث مكروه، ولو قيل بالتحريم لكان له وجه، وما كان لحاجة فمباح، وما كان يستلزم أذية المسلمين ( ... ) مزارعهم ومضايقتهم فهذا حرام.
المؤلف رحمه الله في هذا الباب لا يريد أن يتكلم على هذه الناحية، لكن يريد أن يتكلم على شرط حِل الصيد؛ متى يحل الصيد إذا صاده الإنسان؟