وإذا كان هكذا فإنه يجب أن يُحْمَل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على ما فيه المصلحة، وعلى ما له معنى مستقيم، ويُحْمَل الحد في الحديث على الحدود الحكمية التي إما تَرْك واجب، وإما فِعْل محرَّم.
يصير المعنى أننا لا نؤدب أحدًا على ترك مروءة مثلًا فوق عشرة أسواط.
لو وجدنا واحدًا مثلًا في مجمع كمجمعنا هذا، مجمع علم واحترام، وجدناه يأكل الفصفص ( ... )، ويش يكون هذا؟
طالب: هذا خلاف المروءة.
الشيخ: خلاف المروءة، هذا نجلده، لكن ما نجلده أكثر من عشر جلدات، كذا ولّا لا؟ نعطيه في كل حبة جلدة، أو ما يكفي، هذا لا نزيد على عشر.
رجل قال لابنه: اجلس في القهوة، بيجينا زوَّار، الابن سمع الأولاد يلعبون كرة، وطلع وخلَّى القهوة، رجع والده ويبغي يؤدبه، ويش نقول؟
طالب: لا تزد على عشر جلدات.
الشيخ: لا تزد على عشر جلدات، كان يأمر ابنه الصغير بالصلاة وله إحدى عشرة سنة، ولكن الابن يتمرد، كم يجلده؟
طالب: عشر.
الشيخ: فإن لم تنفع؟
طالب: يزيده.
الشيخ: فإن لم تنفع؟
طالب: يزيد.
الشيخ: يزيد؛ لأن هذا ترك واجب، حد من حدود الله، وعلى هذا فنقول: الحد في الحديث هو أيش؟ محارم الله، يعني الحدود الحكمية لا الحدود العقوبية، الحدود الحكمية إما تَرْك واجب وإما فِعْل محرَّم.
وعرفتم وجه وجوب حمل الحديث على ذلك من أن الشارع إنما يقصد بذلك التأديب، والتأديب لا يحصل بمثل عشر جلدات لمن ارتكب ذنبًا عظيمًا لا يوجِب الحد.
وهذا القول هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم المحققين، وهو الذي يتعين العمل به.
وسيأتينا -إن شاء الله تعالى- بيان أن التعزير أيضًا لا يقتصر على هذا النوع من التعزيرات، بمعنى أنه لا يقتصر على الجلد، قد يكون التعزير بأنواع متعددة، حتى على المذهب يكون بأنواع متعددة، وهو ما يدل على أنه يجوز زيادة على عشر جلدات.