ودليله يقول: لأن الله اشترط الإيمان في كفارة القتل، فَقِيسَ الباقي عليها، بالقياس؛ لأن الموجَبَ واحد؛ وهو عتق الرقبة، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن عليَّ رقبة، وإني أريد أن أعتق هذه، فقال لها:«أَيْنَ اللهُ؟ »، قالت: في السماء، قال:«مَنْ أَنَا؟ »، قالت: أنت رسول الله، قال:«أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»(٢)، ولم يستفصِل الرسول عليه الصلاة والسلام ما هذه الرقبة التي عليه، فدل هذا على أن الإيمان شرط في جميع الرقاب الواجبة؛ لأنه قال: إن عَلَيَّ رقبة، في جميع الرقاب الواجبة، ودليله عدم الاستفصال.
ثم نقول أيضًا من جهة النظر: إذا أعتق الرقبة وهي كافرة فإننا لا نأمن أن يلحق بالكفار؛ لأنه كافر، إذا كان مملوكًا ما يقدر ( ... )، لكن إذا أُعْتِق لحق الكفار لأنه تحرَّر، ما لأحد عليه قول، فإذا كان كذلك، يعني يُخْشَى من هذه المفسدة فإنه لا يُعتَق الكافر، بل يبقى، وهذا القول -كما ترون- رجحانه قوي.
أما الذين قالوا: إن الله تعالى أطلق في موضعين، وقيَّد في الثالث، والرسول عليه الصلاة والسلام أطلق في الموضع الرابع، فكلامُهم جيِّد لا يلامون عليه أبدًا، ومن ثَمَّ اختلف العلماء في غير كفارة القتل هل يُشْتَرَط الإيمان أو لا يُشْتَرَط؟ والراجح الاشتراط؛ لقوة دليله وتعليله، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة، أليس كذلك؟