الصلح ينقسم إلى قسمين: صلحٌ على إقرار، وصلحٌ على إنكار، الصلح على الإقرار أن يُقِرَّ له بشيء فيصالحه على بعضه، أو يصالحه على تأجيله إن كان حالًّا، أو على تعجيله إن كان مؤجلًا، وسبق تفصيل القول فيه، وبَيَّنَّا أن الأصل فيه الجواز والصحة، بناءً على القاعدة العامة الأصلية في جميع العقود، وهي: أن الأصل فيها الحِلّ والصحة.
وهذه قاعدة ينبغي لك يا طالب العلم أن تجعلها دائمًا نصب عينيك؛ أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة حتى يقوم دليلٌ على المنع، فأي إنسان يقول لك: هذه المعاملة حرام، فبكل بساطة تقول له: أين الدليل؟
لكن لو قال لك: هذه العبادة مشروعة، فقل له: أين الدليل؟ لأن الأصل في العبادات المنع والحظر حتى يقوم دليلٌ على المشروعية.
الصلح على إنكار: أن ينكر الإنسان ما ادُّعِيَ عليه ثم يصالح، ينكر ثم يصالح.
مثال ذلك ما قاله المؤلف:(ومَن ادُّعِيَ عليه بعين أو دَيْن)، (بعين) بأن قال المدَّعِي: هذا الكتاب لي، هذا عين.
(بِدَيْن) بأن قال المدَّعِي: أنا أطلبك مئة ريال، فالأول ادُّعِيَ عليه بعين، والثاني ادُّعِي عليه بِدَيْن.
إن قال: نعم، هذه العين لك، هذا الكتاب الذي قلت: إنه لي، هو لك، ثم صالحه، فهو من باب صلح الإقرار.
إذا قال: نعم أنت تطلبني مئة ريال، ثم صالحه، فهو من باب الصلح على إقرار، وهذا سبق.
لكن إذا سكت أو أنكر ثم صالح فهو صلح على إنكار، وبهذا نعرف أن مَن ادُّعِيَ عليه بشيء فإما أن يُقِرّ أو ينكر أو يسكت، إن أقر فالأمر واضح، ويلزمه ما أقر به، وإن أنكر فعلى المدَّعِي البينة، وعلى المنكِر اليمين، وإن سكت فإنه ليس كالْمُقِرّ وليس كالمنكِر، لكن للمُدَّعِي أن يطالبه إما بالإنكار أو بالإقرار.
لكن لو أن المدَّعَى عليه سكت أو أنكر وهو يجهل ما ادُّعِيَ عليه ثم صالح بمال صح الصلح.