للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثال ذلك: أطلب زيدًا ألف ريال حالًّا، فجاء إليَّ وقال: أنا -واللهِ- ما عندي شيء، والدنيا حياة وموت، وأنا أبغي -جزاك الله خيرًا- أن تجعل الألف ثمان مئة وتؤجلها إلى سنة، فقال: أهلًا وسهلًا، أسقطت عنك مئتين، وبقي ثمان مئة، وهي مؤجلة عليك إلى ذي الحجة في ١٤٠٨، يصح الإسقاط؛ لأنه أسقط باختياره، فصح، دون التأجيل فلا يصح، ما يصح التأجيل، ليش؟ قالوا: لأن الحال لا يتأجل، هذه قاعدة عندهم.

وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: إن الحال إذا أُجِّل تأجل؛ لأن أقل ما نقول فيه: إنه وعد، والوفاء بالوعد واجب، فإني إذا أجلت إلى سنة معناه أني وعدتك بألَّا أطالبك إلا بعد سنة، وهذا الذي قلته هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

أما الحال لا يتأجل بالتأجيل؛ لأنه عهدٌ ووعد، وقد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: ٣٤]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في آيات المنافق: «إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» (٤)، ولأن هذا الذي أجلته عليه ربما يبني على تأجيلك إياه تصرفًا يتصرفه، لولا أنك أجلته ما تصرفه، فإذا قلت: أعطني إياه الآن، تضرر.

ونظير ذلك: جئت إلى رجل وقلت: أنا الآن محتاج عشرة آلاف ريال، اشتريت سيارة بعشرة آلاف ريال ولا عندي شيء، أقرضنيها وأجلها عليَّ إلى سنة؛ لأن ما بيدي شيء، فقال: تفضل، هذه عشرة آلاف ريال وقتي مؤجلة عليك إلى سنة، أخذها الرجل واشترى السيارة، فلما اشترى السيارة أتيت إليه من الغد وقلت: أعطني عشرة آلاف ريال، لي أن أطالبه؟ على المذهب: لي أن أطالبه؛ لأن القرض حال، والحال لا يتأجل، ويش اللي ترتب من الضرر على المسكين؟ يمكن لولا أني عطيته ما اشترى السيارة ( ... ) الأمر، أما أني أروح أقرضه قرضًا مؤجلًا إلى سنة، ومن غد آتي وأطالبه، فلا شك أن هذا حتى الفطرة السليمة ما تقبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>