فعندنا إذن دليل وتعليل؛ وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب على الكافر إذا أسلم الغُسل، واستدل بأنه لم يَرِد عن النبي عليه الصلاة والسلام أمر عام مثل أن يقول: من أسلم فليغتسل، كما قال:«مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»(٩)، وما أكثر الصحابة الذين أسلموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقل أنهم أُمروا بالغسل، ولو كان هذا واجبًا لكان أمرا مشهورًا؛ لأن الناس يحتاجونه، أليس كذلك؟
فالذين أسلموا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كثير جدًّا، ولو كان الاغتسال هذا واجبًا لكانت ترد النصوص العامة مثل:«الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»، و «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ» عام، فيقول الرسول: من أسلم فليغتسل، أو يكون هذا مشهورًا بين المسلمين أنه ما من رجل يسلم إلا اغتسل؛ فهذان قولان متقابلان:
القول الأول: أن الغسل واجب.
والقول الثاني: أنه ليس بواجب. ولننظر أيهما أقوى، قد نقول: إن القول الأول أقوى وهو وجوب الغسل؛ وذلك لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا من الأمة بحكمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به يكون أمرًا للأمة جميعًا؛ فمثلًا الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى أبا هريرة أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (١٠) لو فُرض أنه ما ورد حديث «صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»(١١). لو لم يرد هذا الحديث لقلنا: إن أمره لأبي هريرة أمر له ولغيره، فكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر واحدًا أسلم لا يعني أن ذلك لا يجب على غيره.