ثم يُفيضُ إلى مَكَّةَ، ويَطوفُ القارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفريضةِ طوافَ الزيارةِ، وأَوَّلُ وقتِه بعدَ نِصفِ ليلةِ النحْرِ، ويُسَنُّ في يومِه وله تَأخيرُه، ثم يَسْعَى بينَ الصَّفَا والمروةِ إن كان مُتَمَتِّعًا أو غيرَه ولم يكنْ سَعَى مع طَوافِ القُدومِ، ثم قد حَلَّ له كلُّ شيءٍ ثم يَشربُ من ماءِ زَمزمَ لِمَا أَحَبَّ، ويَتَضَلَّعُ منه ويَدعو بما وَرَدَ.
ثم يَرْجِعُ فيَبيتُ بِمِنًى ثلاثَ ليالٍ فيَرْمِي الجمرةَ الأُولَى، وتَلِيَ مَسجدَ الْخَيْفِ - بسبْعِ حَصَياتٍ ويَجعلُها عن يَسارِه ويَتأَخَّرُ قليلًا ويَدعو طَويلاً، ثم الوُسْطَى مِثْلَها، ثم جَمْرَةَ العَقَبَةِ ويَجعلُها عن يَمينِه ويَسْتَبْطِنُ الوادِيَ ولا يَقِفُ عندَها، يَفعلُ هذا في كلِّ يومٍ من أَيَّامِ التشريقِ - بعدَ الزوالِ مُستقْبِلَ القِبلةِ مُرَتِّبًا -
قال العلماء: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم: وآباؤنا فعلوا كذا، وفعلوا كذا، وفعلوا كذا، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُخالفهم كما خالفهم في الخروج من عرفة، وخالفهم في الخروج من مزدلفة.
ولعل هذا أقرب التعاليل؛ أنه فعل ذلك مخالفةً للمشركين الذين يقفون في هذا الوادي ليذكروا أمجاد آبائهم؛ ولهذا قال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}[البقرة: ١٩٨]{كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة: ٢٠٠].
ثم قال المؤلف:(أسرعَ رمية حجر)(رمية حجر)، كيف يمكن قياسها؟
لأن الحجر قد يكون كبيرًا، فإذا رميت به لم يذهب بعيدًا، وقد يكون الرامي ضعيفًا، فإذا رمى بالحجر الصغير لم يذهب بعيدًا، لكنهم يقولون: مقدار خمس مئة ذراع، الذراع أظن ثلثي المتر، نعم، على هذا التقريب، لكن هل هذا يمكن العمل به الآن؟