للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: أسرعَ لأن الله أهلكَ فيه أصحابَ الفيل، فينبغي أنْ يُسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مرَّ بأراضي العذابِ أنْ يُسرع؛ كما فَعَل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حين مرَّ بديار ثمود في غزوة تبوك؛ لَمَّا مرَّ زَجَر الناقةَ عليه الصلاة والسلام وقَنَّعَ رأسه هكذا وأسرعَ، واليومَ الناسُ بعضُهم يتَّخذ هذه الديارَ سياحةً ونُزهةً والعياذ بالله، مع أنَّ الرسول أسرعَ وقال: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» (٢١).

كيف يُصِيبنا ما أصابهم ونحن لم نعمل؟

لأن الإنسان إذا دخل على هؤلاء فقلْبُه يكون غيرَ ليِّنٍ وغيرَ خاشعٍ، فيكون قاسيًا مع مشاهدته آثارَ العذابِ، وحينئذٍ يُصيبه ما أصابهم من التكذيبِ والتولِّي، هذا معنى الحديث؛ يعني ليس المراد أنْ يُصيبكم العذابُ الرِّجزُ الحِسِّي، قد يُراد به العذابُ أو الرِّجزُ المعنويُّ؛ أنْ يقسو قلب الإنسان فيُكذِّب بالخبر ويتولَّى عن الأمر -نسأل الله العافية- وبهذا نعرف أنَّ اتخاذها نُزهةً خطأٌ عظيمٌ مخالفٌ لأمر النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا»، والذين يذهبون للنُّزهةِ أو للتفرُّج هلْ هُم يبكون؟

الظاهر أنهم إلى الضحك أقربُ منهم إلى البُكاء، ويُصَوِّرون ويعملون أشياء اللهُ أعلمُ بها، فنسأل اللهَ لنا ولكم العِبرة والهداية.

المهمُّ أنَّ مِن العلماء مَن علَّلَ إسراعَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ هذا هو الموضع الذي أهلكَ اللهُ فيه أصحابَ الفيلِ، لكن هذا التعليل عليلٌ؛ لأن أصحابَ الفيلِ لم يُهلَكوا هُنا، بلْ في مكانٍ يُقال له: الْمُغَمَّس، حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:

حَبَسَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>