للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ويدعو حتى يُسْفِر) يُسْفِر جدًّا؛ يعني: يتبيَّن السفر أو الإسفار ويرى الناسُ بعضهم بعضًا، ثم ينطلق قبل أنْ تطلع الشمس، ولهذا قال: (فإذا أَسْفَرَ سار قبل طلوع الشمسِ بسَكِينَةٍ) خلافًا لأهلِ الجاهلية، أهلُ الجاهلية لا يدفعون من مزدلفة إلا إذا طلعت الشمس، وكان من عباراتهم الموروثة: أَشْرِقْ ثَبِير، كَيْمَا نُغِير (٢٠). ثَبير: جبلٌ معروفٌ هناك كان رفيعًا تتبيَّن به الشمسُ قبل غيره مما حوله من الجبال، وكانوا يرقبون هذا الجبل، فإذا أشرقَ دفعوا.

إذَنْ هُم -أعني في الجاهلية- يُبادرون السفر أو الإسفار في أول الليل؛ ليلة العيد، وفي آخرها، كيف ذلك؟ لأنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ويدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس، أمَّا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فخالَفَهم في الوقتينِ.

يقول: سار بسَكِينةٍ؛ يعني: لا بإسراعٍ وإيضاعٍ للإبل، والإيضاع: الإسراع، بلْ يكون بسَكِينةٍ.

(فإذا بَلَغَ مُحَسِّرًا أسرعَ رميةَ حَجَرٍ) لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حرَّكَ قليلًا؛ حرَّكَ ناقتَه حين بَلَغَ مُحَسِّرًا (٣)، ومُحَسِّر: بطنُ وادٍ عظيم، وبهذا نعرف أنَّ بين المشاعر أودية؛ فبين المشْعرِ الحرام والمشْعرِ الحلال وادٍ وهو عُرَنة، وبين المشْعَرينِ الحرامَينِ مِنًى ومزدلفةَ وادٍ وهو وادي مُحَسِّر، أسرعَ فيه النبيُّ عليه الصلاة والسلام (٣).

واختلفَ العلماءُ لماذا أسرعَ:

فقال بعضُهم: أسرعَ لأن بطن الوادي يكون دعثًا وليِّنًا يحتاج أنْ يحرِّك فيه الإنسانُ بَعيره؛ لأن مَشْي البعيرِ على الأرضِ الصلبة أسرعُ مِن مشيها على الأرض الرخوة، فحرَّك مِن أجْل أنْ يتساوى سيرُها في الأرض الصلبة وسيرُها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحَظ هنا هو مصلحةُ السير فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>