فالطهر يُطْلَق على هذا وهذا، فأيهما تريدون، حدَثًا أصغر ولَّا أكبر؟ هم يريدون أن يُبْطِلوا استدلالنا به.
أنا كنت أميل إلى قول الظاهرية في هذه المسألة، ولكن لَمَّا تأملت:«لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»، وإذا الطاهر يُطْلَق على الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر؛ لقوله:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة: ٦]، ولم يكن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعبِّر عن المؤمن بالطاهر، بل يعبِّر عن المؤمن بوصفه بالإيمان؛ لأنه أكمل وأَبْيَن وأظهر، تَبَيَّن لي رجحان قول الجمهور، وأنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر.
وأما الاستدلال بالقياس فالقياس فيه ضعف، ليس واضحًا وجهه، فالذي أنا أركز عليه في هذه المسألة هو حديث عمرو بن حزم.
قد يقول قائل: إن حديث عمرو بن حزم مكتوب إلى أهل اليمن، وهم حين ذاك ليسوا بمسلمين، فتكون قرينة توجيهه إلى غير المسلمين دالَّة على أن المراد بالطاهر هو المؤمن، وهذه لا شك، هذه واردة، لكن عندنا أن الكثير في تعبير الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يعلِّق الشيء بالإيمان، وما الذي يمنعه من أن يقول: لا يمس القرآن إلا مؤمن، ما الذي يمنعه؟ مع أن هذا أبين وأوضح.
فالذي تقرر عندي أخيرًا أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء، ولكن يبقى عندنا أسئلة، السؤال الأول: هل المُحَرَّم مسُّ القرآن أو مس المصحف الذي فيه القرآن؟
حديث عمرو بن حزم:«لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ».