للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهو عائدٌ على {قُرْآنٌ}؛ لأن الكلام فيه، ولا مانع من أن تتداخل الضَّمائر، ويعود بعضها إلى غير المتحدَّث عنه ما دامت القرينة موجودة.

ثم على احتمال تساوِي الأمرين فالقاعدة عند أهل العلم أنه إِذا وُجِدَ الاحتمال سقط الاستدلال. فيسقط الاستدلال بهذه الآية، ثم نرجع إلى براءة الذِّمة.

أتوا إلى حديث عمرو بن حزم، وهو الدليل الثاني للجمهور، قالوا: حديث عمرو بن حزم أولًا غير متَّصِل، منقطع، فهو حديث ضعيف، وأنتم تُقِرُّون بضعفه سندًا؛ لأنه مرسَل، والمرسَل من أقسام الضعيف، والضعيف لا يُحْتَجُّ به في إثبات الأحكام، فضلًا عن ثبوت حكم يُلْحِق بالمسلمين المشقة العظيمة في تكليفهم ألَّا يقرؤوا كتاب الله من المصحف إلا بوضوء.

ولا سيما في الأيام الشاتية، ولا سيما إن كانوا في الجمهوريات السوفياتية التي بلغت درجة الحرارة فيها هذه الأيام إلى الستين تحت الصفر، يعني في برودة عظيمة ولَّا لا؟ أكثر من التجمد، يقول هذا: إذا ألزمنا عباد الله بهذا الشيء قلنا: لا تقرؤوا القرآن إلا بوضوء، هذا مشقة شديدة، فلا يمكن أن نلزم عباد الله تعالى بهذا الأمر الشاق بمثل هذا الحديث الضعيف.

وأما قولكم: النظر الصحيح، فإننا لا نقر بالقياس أصلًا؛ لأن الظاهرية لا يقولون بالقياس، وإن كانوا يتناقلوه في بعض الأحيان، لكن هذه قاعدتهم؛ أن القياس غير صحيح، وأن القياس لا يفيد إلا الظن، والظن في دين الله باطل، وقد ذم الله تعالى الذين يتبعون الظن: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨]، وما أشبه ذلك من أدلتهم التي أبطلها أهل العلم وردوها عليهم في نحورهم؛ لأن القياس لا شك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وليس هذا موضع ذكر، لكن قد مضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>