للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ: من أعظم الذِّكْر، والحرف فيها بعشر حسنات، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ، وأيضا الأصل براءة الذِّمَّة، وعدم الوجوب، فلا نُؤَثِّم عباد الله تعالى بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص، ثم لما أيَّدُوا مذهبهم يطالَبون بالجواب عن أدلة الآخرين، أليس كذلك؟ لأن طريق الترجيح أن تأتي بما يُثْبِت قولك، وتدفع ما يُثْبِت قول خصمك، قالوا: أهلًا وسهلًا.

أما الآية الكريمة فليس فيها دليل لما ذكرتم؛ لأن الضمير في قوله: {لاَ يَمَسُّهُ} يعود إلى {كِتَابٍ مَكْنُونٍ}، والكتاب المكنون يحتمل أن يكون هو اللوح المحفوظ، ويحتمل أن يكون هو الكتب التي بأيدي الملائكة؛ فإن الله تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١١ - ١٦]، وقالوا: هذه الآية تفسر الآية هذه.

{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} مثل {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}، {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} مثل {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}، والقرآن يُفسِّر بعضُه بعضًا، فالآية لا تدل على ما ذكرتم، ولو كان المراد ما ذكرتم لقال: (لا يمسَّه إلا المطَّهِّرون)، يعني: المتطَهِّرِين، وفرق بين (المطهَّر) اسم مفعول، وبين (المتطهِّر) اسم فاعل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢].

وقولكم: إن الخبر يأتي بمعنى الطَّلب، هذا صحيح ولا نمانع منه، لكن لا يُحْمَلُ الخبر على الطلب إلا بقرينة، وهنا لا قرينة، فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وأن تكون الجملة هنا خَبَريَّة {لاَ يَمَسُّهُ}، وأن يراد بـ {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة، وتؤيد قولَنا الآياتُ التي في سورة (عبس).

<<  <  ج: ص:  >  >>