للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من السنة فإن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: «أَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»، والطَّاهر هو المُتطهِّرُ، طاهر طهارة حسِّيَّة؛ لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يقرؤه غالبًا إلا المؤمنون، فلما قال: «إِلَّا طَاهِرٌ» عُلِم أنها طهارة غير الطَّهارة المعنوية، وهي الطهارة من الحدَث، ودليل ذلك قوله تعالى في آية الوضوء والغسل: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٦].

فجعل الله عز وجل القيام بالوضوء والقيام بالغسل تطهيرًا لنا، وطهارة لنا، وعلى هذا فالطاهر هو الذي توضَّأ من حدَث أصغر واغتسل من جنابة.

وأما النَّظر الصحيح فقالوا: إنَّه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام رب العالمين، وإذا أَوْجَبَ الله تعالى الطهارة للطواف ببيته، فالطهارة لتلاوة كتابه الذي تكلم به سبحانه وتعالى من باب أولى؛ لأنا نحن الآن نتصل به، بمعنى أننا ننطق بكلام الله عز وجل خارجًا من أفواهنا، فَمُمَاسَّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهرين، كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيمًا لكلام الله عز وجل واحترامًا له يجب أن نكون على طهارة.

هذا هو تقرير الأدلة لمن قال بوجوب الطهارة لِمَسّ المصحف، وأنه يحرم على المحدِث أن يمس المصحف، وهي أدلة كما ترون، وهذا قول جمهور أهل العلم، ومنهم المذاهب الأربعة.

وهناك قول آخر اختاره بعض العلماء مثل داود الظاهري، وجماعة آخرين، قالوا: إنه لا يحرُم على الْمُحْدِث مس المصحف. ما دليلهم؟ قالوا: لأن تلاوة القرآن بلا شك من ذكر الله، أليس كذلك؟

طلبة: بلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>