لكن قد يقول قائل: الزعفران أخص من كونه طيبًا؛ لأنه طيب ولون، ونحن نقول: إن الطيب بأي لون كان يحرم على المحرم، نقول: نأتي بدليل آخر؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الذي وقصته ناقته في عرفة قال:«لَا تُحَنِّطُوهُ»(٢٢)، وتحنيط الميت أطياب مجموعة تجعل في مواضع من جسمه، وهذا عام لكل طيب؛ لأن الرسول قال:«لَا تُحَنِّطُوهُ»، وذكر أشياء، ثم قال:«فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»، وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز له استعمال الطيب، وهو كذلك لا يجوز له استعمال الطيب، ووجه أن الطيب يعطي الإنسان نشوة، وربما يحرك شهوته ويلهب غريزته، ويحصل بذلك فتنة له، والله عز وجل يقول:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٧]، ثم إنه قد ينسيه ما هو فيه من العبادة؛ فلذلك نهي عنه، الطيب هنا يشمل الطيب في رأسه، في لحيته، في صدره، في ظهره، في أي مكان، في ثوبه أيضًا.
قال المؤلف:(أو شم طيبًا) الشم يعني أن يستنشقه ليختبر رائحته، (أو ادهن بمطيب) كذلك أيضًا إذا ادهن بمطيب؛ يعني: مسح على جلده بدهن فيه طيب فإنه لا يجوز؛ لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته.
كذلك أيضًا يقول:(أو شم طيبًا) يعني: تقصد شم الطيب فإنه يحرم عليه ذلك ويفدى، ولكن المسألة الأخيرة -وهي شم الطيب- فيها نظر؛ لأن الشم ليس استعمالًا؛ ولهذا قال بعض العلماء: إنه لا يحرم الشم، لكن إن تلذذ به فإنه يتجنبه خوفًا من المحذور الذي يكون بالتطيب، أما يشمه ليختبره مثلًا طيبه؛ هل هو طَيِّب أو وسط أو رديء؟ هذا لا بأس به.
وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يشمه بلا قصد.
والثانية: أن يتقصد شمه، لكن لا للتلذذ به أو الترفه به.