ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يقرر هذا الحكم، والتقرير بالفعل أقوى من التقرير بأيش؟ بالقول، فإذا تقرر بالفعل بقي الأمر على ما هو عليه أولًا، وهو أنه هو الأفضل، أو يختلف كما قال شيخ الإسلام باختلاف حال الإنسان.
وما قاله رحمه الله وجيهٌ جدًّا؛ أن وجوب الفسخ في ذلك العام الذي واجههم به الرسول عليه الصلاة والسلام حق، وأما بعد ذلك فليس بحق، وأظنه لا يخفى، لو كان الأمر واجبًا على أبي بكر وعمر، وهما مَن هما بالنسبة لقربهما من الرسول عليه الصلاة والسلام، ولفهمهما قوله، ومعلوم أن مَن كان أقرب إلى الإنسان كان أعرف الناس بقوله ومراده.
فالصحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من حيث وجوب التمتع وعدمه، وأنه واجب على الصحابة لما علمتم، أما غيرهم فالمذهب أن التمتع أفضل مطلقًا، حتى مَن ساق الهدي فالتمتع في حقه أفضل، لكن كيف يعمل وهو لا يَحِلّ له أن يحلق إلا في يوم العيد، {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]؟
قالوا: إذا طاف وسعى لا يحل، ينوي أن العمرة انتهت، لكن لا يحل بالحلْق، فإذا كان يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج. وهذا لا شك أنه قولٌ ضعيف جدًّا، ولا تَأْتي، ما رأيت السُّنَّة أتت بمثله.
فالصواب أن مَن ساق الهدي لا يمكنه أن يتمتع؛ لأنه لا يمكن أن يحل، والتمتع لا بد فيه من حل.
شيخ الإسلام يقول: لا نقول: التمتع أفضل مطلقًا، ولا القِرَان أفضل مطلقًا، ولا الإفراد أفضل مطلقًا.
يقول: مَن ساق الهدي فالأفضل له القِرَان؛ لأن التمتع في حقه متعذِّر، صح ولَّا لا؟ ما يمكن أن يتمتع، كيف يتمتع وهو ما حل؟ ! اللي ساق الهدي لا يحل إلا يوم العيد، فمتى يتمتع؟
ولأن هذا - أعني القِرَان مع سَوْق الهدي- فعل النبي صلى الله عليه وسلم (٧)، فيكون موافقًا لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فالقِرَان إذن أفضل.