وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي تجتمع به الأدلة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم ولم يشترط، لم يقل: إن حبسني حابس، أحرم بِعُمَرِهِ كلِّها، حتى بالحديبية أحرم ولم يقل: إن حبسني حابس، وحبس، وكذلك في عمرة القضاء، وكذلك في عمرة الجعرانة، وكذلك في إحرامه في حجة الوداع، لم ينقل عنه أنه قال: إن حبسني حابس، ولا أمر به أصحابه أمرًا مطلقًا، بل أمر به من جاءت تستفتي لأنها مريضة تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك ..
وعلى هذا فيكون القول الراجح في هذه المسألة أن لا استحباب مطلقًا، ولا إنكار مطلقًا، بل من خاف من مانع يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: اشترط؛ استرشادًا بإرشاد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن لم يخف قلنا له: لا تشترط؛ السُّنَّة ألا تشترط، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فإن قال قائل: الحوادث الآن كثيرة؛ كثيرًا ما يحصل اصطدام، كثيرًا ما يحصل زحام يموت به الإنسان، أفلا يكون هذا مما يوجب مشروعية الشرط؟
قلنا: لا؛ لأنك لو أحصيت الحجيج، وأحصيت الحوادث التي تحدث لوجدت النسبة قليلة جدًّا، وليست بشيء؛ بالنسبة لكثرة السيارات وكثرة ( ... ) قليلة.
وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حصلت حوادث، ففي عرفة وقصت ناقة صاحبها فسقط منها فمات (٢٩)، هذه حادث، حادث سيارة ولّا حادث ناقة؟ حادث ناقة، ولكن يشبه حادث السيارة.
إذن فالحوادث موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومع هذا لم يأمر أصحابه أن يشترطوا أمرًا عامًّا.
الخلاصة الآن في المسألة الثانية أيش؟ أنه يستحب الاشتراط لمن كان يخاف من مانع يمنعه من إتمام النسك، وأما إذا كانت الأمور على طبيعتها فإن السُّنَّة ألا يشترط، وبهذا تجتمع الأدلة.
فإن قال قائل: ما فائدة هذا الاشتراط؟
قلنا: زعم بعض العلماء أنه لا فائدة منه، وإنما هو لفظ يتعبد به فقط، وهذا القول لا شك أنه ضعيف جدًّا.