للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الجملة اشتملت على مسألتين:

المسألة الأولى: قوله: (يستحب أنْ يقول: اللهم إني أريد نُسُكَ كذا). والاستحباب يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يحرم بحج أو عمرة يقول: اللهم إني أريد العمرة، أو اللهم إني أريد الحج.

ومعلومٌ أن العبادات مبناها على الاتباع وعلى الوارد، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام اعتمر أربع مرات، وحج مرة، ولم يكن يقول هذا، ولا أرشد إليه؛ فإنه ينبغي ألا يكون مستحبًّا.

ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة أن النطق بهذا القول كالنطق بقوله: اللهم إني أريد أن أصلي فيسر لي الصلاة، أو أن أتوضأ فيسر لي الوضوء، وهذا بدعة، فكذلك في النسك لا تقل هكذا، قل ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام حين استفتته ضباعة بنت الزبير أنها تريد الحج وهي شاكية قال: «قُولِي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» (٢٧) أخرجه النسائي (٢٨)، ولم يقل: قولي: اللهم إني أريد كذا وكذا.

طيب، المسألة الثانية: يقول: (وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني).

فإن قوله: (إن حبسني حابس) عام، أو إن شئت فقل: مطلق، يشمل من كان خائفًا، ومن لم يكن خائفًا، يعني: يشمل من كان يخشى من عائق يعوقه عن إتمام نسكه من مرض، أو ضياع نفقة، أو انكسار مركوب، أو خوف على نفسه، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه خائف ألا يكمل النسك.

ومن لم يكن خائفًا، هذا كلام المؤلف؛ لأنه لم يُفَصِّلْ، لم يقل: يقول: إن حبسني حابس إن خاف أن يحبسه حابس.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:

فمنهم من قال: إنها سُّنَّة مطلقًا، أن يقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.

ومنهم من يقول: ليست بسُّنَّة مطلقة.

ومنهم من فَصَّلَ وقال: سُّنَّة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك، وتركها سُّنَّة لمن لم يخف.

<<  <  ج: ص:  >  >>