(وينقض غَسْل ميت)(غَسْل) بالفتح بمعنى (تَغْسيل)، وأما (غُسل) بالضم فهو المعنى الحاصل بالتغسيل، إذن (ينقض غسل الميت) أي: تغسيل الميت؛ يعني: لو أن أحدًا غسل ميتًا فإن وضوءه ينتقض، وسواء غسَّل كله أو غسَّل بعضه.
وقول المؤلف:(غسل الميت) يشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، فلو أن رجلًا غسَّل طفلًا صغيرًا انتقض وضوؤه، ولو أنه غسَّل رجلًا بالغًا انتقض وضوؤه ولو كان ابنه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ولو كان ابنه.
ولو أن امرأة غسَّلت امرأة كبيرة أو صغيرة انتقض وضوؤها، حتى من وراء حائل؟ نعم، حتى من وراء حائل؛ لأن المؤلف يقول:(غسل الميت) ولم يقل: (مس)؛ يعني: لو وضع على يده خرقة وصار يغسل فإنه ينتقض وضوؤه مطلقًا.
وهذا الذي مشى عليه المؤلف من مفردات مذهب الإمام أحمد؛ يعني: أن الأئمة الثلاثة على خلافه، وحينئذٍ تكون المسألة من مسائل النزاع بين أهل العلم، ولدينا قاعدة أصَّلها الله عز وجل لنا وهي: أن مسائل النزاع ترد إلى الله ورسوله؛ فما وافق الكتاب والسنة قُبِلَ، وما لا فلا.
فلننظر، ما دامت هذه المسألة من مفردات مذهب الإمام أحمد فمقتضاه: أن جمهور أهل العلم على خلاف ذلك؛ أي: على أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء.
ما حجة هذا القول؛ أعني: القول بوجوب الوضوء؟ حجتهم: ما روي عن ابن عمر (١١) وأبي هريرة (١٢) وابن عباس (١٣)، ثلاثتهم أنهم أمروا غاسل الميت بالوضوء، هؤلاء ثلاثة من الصحابة، كم بقي من الصحابة؟ بقي كثير، ثم إن أمرهم غاسل الميت بالوضوء يحتمل أنه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، هذا الدليل.
الدليل إذن ما روي عن عبد الله بن عمر وابن عباس وأبي هريرة بأمر غاسل الميت بالوضوء.
التعليل قالوا: لأن غاسل الميت غالبًا قد يمس فرجه، ومس الفرج ناقض للوضوء، وحينئذٍ أوجبنا على من غسَّل ميتًا أن يتوضأ.