أما الذين قالوا بعدم النقض فقالوا: إن النقض يحتاج إلى دليل شرعي يرتفع به الوضوء الثابت بدليل شرعي، فنحن وإياكم متفقون على أن هذا الرجل على طهارة، أليس كذلك؟ إذا غسَّل الميت، فنحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو الإجماع على أن تغسيله ينقض الوضوء؛ التمسنا في القرآن ما وجدنا شيئًا، في السنة ما وجدنا شيئًا، في الإجماع ما وجدنا شيئًا.
المخالفون أكثر من الموافقين، فيكون على هذا عدم النقض أسعد بالدليل من النقض، ونجيب عن أمر هؤلاء الصحابة الثلاثة بأن الأمر يحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب، وفرض شيء على عباد الله من غير دليل تطمئن إليه النفس أمر صعب؛ لأن فرض ما ليس بفرض كتحريم ما ليس بحرام، ولأننا إذا فرضنا عليهم الوضوء أبطلنا صلاتهم إذا صلوا بدون وضوء، وإبطال الصلاة يحتاج إلى دليل، كيف نجترئ على أن نقول لهذا الرجل الذي غسَّل الميت وصلى بدون وضوء، كيف نجترئ عليه ونقول: عبادتك فاسدة، يجب عليك أن تعيدها بعد الوضوء؟ صعب، يحتاج إلى دليل بيِّن.
ولهذا يجب علينا أن نتحرى في مسألة نواقض الوضوء، فلا نجترئ على قولٍ بأن هذا ناقض، إلا إذا وجدنا شيئًا واضحًا يكون حجة لنا عند الله سبحانه وتعالى أن نوجب على عباد الله ما لم يوجبه أو نفسد عبادات عباد الله بدون دليل.
وأما التعليل الذي قالوا: إنه ربما يلمس فرج الميت فينتقض وضوؤه بمس الفرج، فنقول: إن هذا القياس غير صحيح.
أولًا: أننا لا نسلم أن مس الفرج ناقض للوضوء، هذه واحدة.
ثانيًا: سلمنا أنه ناقض للوضوء، فاحتمال أن يكون مس فرجه لا يوجب الوضوء، أليس كذلك؟ كما لو شك هل خرج منه شيء أم لا؟ فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»(١٤).
ونقول لهم أيضًا: ما تقولون فيما لو غسل حيًّا؛ إنسان مريض يحتاج إلى تغسيل فغسله، هل ينتقض وضوؤه؟ يقولون: لا.