فيه رأي آخر يقول: إن مس المرأة ينقض مطلقًا، ولو بغير شهوة، ولو بغير قصد، واستدلوا بعموم الآية، وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها بأنه يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمسها بظفره، والظفر في حكم المنفصل، أو أن هناك حائلًا فليس بصريح، والدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال، فلا يكون دليلًا على ذلك، فنحن نأخذ بظاهر الآية.
ولهذا تجد هؤلاء الذين يأخذون بهذا المذهب في المطاف تجد بعضهم يلبس قفازين وهو رجل، لأيش؟ يقول: أخشى مع الزحام أن تمسني يد امرأة، فإذا مست يدي يد امرأة انتقض الوضوء، وإذا انتقض الوضوء بطل الطواف.
ولكن آخرين من أهل العلم قابلوا هؤلاء قالوا: لا نقض مطلقًا، لا ينقض مس المرأة مطلقًا، ولو الفرج بالفرج لا ينقض، ولو بشهوة، كيف؟ ويش حجة هؤلاء؟ قالوا: حجتنا في هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبَّل امرأة من نسائه، وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، حدثت به عائشةُ ابنَ أختها عروة بن الزبير، فقال: ما أظن المرأة إلا أنتِ، فضحكت (٢)، وهذا الحديث صحيح، وله شواهد متعددة.
وقالوا أيضًا: إن الأصل عدم النقض، حتى يقوم دليل على النقض دليل صحيح صريح؛ لأن الرجل -وقد ذكرتها من قبل- إذا أتم طهارته بمقتضى الدليل الشرعي فلا يمكن أن ترتفع هذه الطهارة إلا بدليل شرعي، وعلى هذا فعندنا الآن دليل إيجابي ودليل؟
طالب: شرعي.
الشيخ: لا، سلبي، الدليل الإيجابي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل ولا يتوضأ، والدليل السلبي: عدم الدليل؛ أنه ليس هناك دليل، ومن ادعى النقض فليتفضل.
فإن قالوا: نحن ندمغكم بكلام الله عز وجل: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، وفي قراءة سبعية:{أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}.
فالجواب: أن المراد بالملامسة: الجماع، كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما (٣)( ... ).