القول الثاني في المسألة: أن الفريضة تصح خلف النافلة، واستدلوا لذلك بأدلة:
أولًا: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ»، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم سوى ذلك؛ أن يكون أقرأ، فالعموم يقتضي أنه لو كان الإمام متنفلًا والمأموم مفترضًا فالصلاة صحيحة.
ثانيًا: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة (١٣)، ومعلوم أن الصلاة الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، ولم ينكر عليه.
فإن قال قائل: نعارض في الاستدلال بهذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك؟
فالجواب أن نقول: إن كان قد علم فهذا هو المطلوب، والظاهر أنه علم؛ لأن معاذ بن جبل شكي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في أنه يطيل، ولا يبعد أن يقال للرسول عليه الصلاة والسلام: إن هذا الرجل يأتي متأخرًا يصلي عندك ثم يأتي بنا ويطيل بنا، هذا ليس ببعيد.
ثانيًا: إذا فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم فإن الله تعالى قد علم فأقره، ولو كان هذا أمرًا لا يرضاه الله لم يقره على فعله؛ ولهذا استدل الصحابة على جواز العزل الذي كانوا يفعلونه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم كانوا يفعلون ذلك في زمن نزول القرآن (١٤).
ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض أنواع صلاة الخوف يصلي بالطائفة الأولى صلاة تامة ويسلم بهم، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم (١٥)، وهنا تكون الصلاة الأولى للرسول صلى الله عليه وسلم؟