وهذا يحتاج إلى دليل، فما هو الدليل؟ لا أحد يشك أن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام هو أنه يقدم الاستجمار على الوضوء، هذا هو المعروف من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هل مجرد الفعل يقتضي الوجوب؟ سبق لنا أن مجرد الفعل لا يقتضي الوجوب، إلا إذا كان بيانًا لمجمل من القول يدل على الوجوب، بناء على النص المبين.
أما إذا كان مجرد فعل فالصحيح الراجح عند أهل العلم أنه ليس للوجوب، وأنه للاستحباب، لكنَّ فقهاءنا رحمهم الله استدلوا على ذلك بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له:«انْضَحْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ» أو «اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ»(٢٦)، فقالوا: قدَّم ذكر غسل الذكر، والأصل أن ما قُدّم فهو أسبق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطانا قاعدة حين أقبل على الصفا والمروة فقال حينما كان على الصفا:«{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»(٢٧)، وفي رواية النسائي (٢٨): «ابْدَؤُوا» بفعل الأمر، «بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ».
ولكن رواية مسلم يعارضها رواية البخاري حيث قال:«تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ»(٢٩) بهذا اللفظ: «تَوَضَّأْ وَانْضَحْ»، والجمع بينهما: أن يقال: إن الواو لا تقتضي الترتيب.
فعندنا الآن روايتان؛ رواية مسلم يقول فيها:«اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ»(٣٠)، ورواية البخاري:«تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ»(٣١)، إن إحدى الروايتين قدمت ما أخرت الأخرى، ولكننا نقول: إنه لا تعارض، لماذا؟ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، لكن يعارض ذلك رواية النسائي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«اغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ تَوَضَّأْ»(٣٢) بـ (ثم)، إلا أن هذه الرواية ذكر الحافظ ابن حجر أنها منقطعة، والانقطاع يضعف الحديث.