وظاهر كلام المؤلف أن تصرفات الغاصب الحكمية باطلة سواء أجازه المالك أم لم يجزه، وسواء تضرر الغاصب وغيره بذلك أم لا.
ولننظر فالقول الراجح في هذه المسألة خلاف ظاهر المؤلف، وهو أنه إذا أجازه المالك فالتصرف صحيح؛ لأن تحريم التصرف لحق الغير لا لحق له، فإذا أجازه صاحب الحق زال المانع، وعلى هذا فإذا قيل للمالك: إن الغاصب قد باع ثوبك، فقال: أنا أجزته. فالبيع صحيح، والمشتري يملك الثوب، أما إذا لم يجزه فإن البيع لا يصح، ويجب على المشتري ردُّ الثوب وأخذ ثمنه الذي بذله فيه؛ لأن التصرف غير صحيح.
الآن فهمنا ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح سواء أجازه المالك أم لا، والصحيح أنه إذا أجازه فهو صحيح نافذ؛ لأن تحريم التصرف فيه في حق الغير، فإذا أسقط حقه سقط.
القول الثاني في هذه المسألة يقول: إن كانت التصرفات يسيرة؛ مثل أن باعه على شخص ثم اطلع عليه المالك وطالب به فهو له ويأخذه من المشتري، أما إذا صَعُبَ وتعسَّر أو تعذر، مثل أن باعه الغاصب على واحد، والواحد على آخر، وهكذا تناقل الناس هذا المغصوب، فإن التصرفات صحيحة، بناء على الحرج والمشقة التي تلحق فيما لو حكمنا ببطلان التصرف؛ لأن فيه مشقة، وأيضًا ربما يكون المغصوب بعيرًا غصبه الغاصب وباعه على شخص وولدت البعير وكثُر نسلها، فكيف نقول: إنه باطل مع العسر والمشقة العظيمة؟ !
المخرج من هذه المشقة أن يجيزه المالك؛ إذا أجازه المالك على القول الراجح صح البيع وانتهى كل شيء، لكن إذا لم يجزه فالمذهب لا بد أن يرد إلى مالكه مهما كانت الظروف، والقول الثاني أنه مع العسر والمشقة يُحكَم بالصحة للضرورة، ويقال لمالكه: لك مثل بعيرك إذا قلنا بأن الحيوان مثلي أو قيمته إذا قلنا: إن الحيوان ليس بمثلي.
ظاهر كلام المؤلف: أن الغاصب لو ذكَّى الشاة التي غصبها صارت حرامًا؛ لأن التذكية تنقسم إلى صحيحة وفاسدة، فتكون تذكية الغاصب غير مبيحة للمذكاة.