توقيت للكتب لا للمقادير، لأنَّها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته، وذلك قديم لا أول له، ويستحيل عليه تقديره بالزمان؛ إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود، ولا زمان ولا مكان، وهذه الخمسون ألف سنة ستون تقديرية؛ إذ قبل خلق السماوات لا يتحقق وجود الزمان؛ فإنَّ الزمان الذي يُعبر عنه بالسنين والأيام والليالي؛ إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك، وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية، فقبل السماوات لا يوجد ذلك، وإنما يرجع ذلك إلى مدة في علم الله تعالى لو كانت السماوات موجودة فيها لعُددت بذلك العدد، وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي: في مقدار ستة أيام، ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا، كما قال تعالى:{وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} وكقوله: {فِي يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ} هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في تاريخه عنهم، ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألفا جاء مجيء الإغياء في التكثير، ولم يرد عين ذلك العدد، فكأنه قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة، وأزمان عديدة، وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى:{إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغفِرَ اللَّهُ لَهُم} والأول أظهر وأولى.
و(قوله: وعرشه على الماء) أي: قبل خلق السماوات والأرض. حكي عن كعب الأحبار أن أول ما خلق الله تعالى ياقوتة خضراء، فنظر إليها بإلهيته فصارت ماء ثم وضع عرشه على الماء. قال ابن عباس في قوله تعالى:{وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ} أي: فوق الماء؛ إذ لم يكن سماء ولا أرض.
قلت: أقوال المفسرين كثيرة، والمسند المرفوع منها قليل، وكل ذلك