وثانيهما: إنَّا إذا جعلنا العتق صداقًا، فإمَّا أن يتقرر العتق لها حالة رِقِّها، وهو محال؛ لتناقضهما، أو حال حُرِّيتها، وحينئذ يلزم بسبقيته على العقد، فيلزم وجود العتق حال فرض عدمه. وهو محال.
وبيانه: أنَّ الصَّداق لا بدَّ أن يتقرر تقدمه على الزوج، إمَّا نصًّا، وإمَّا حُكمًا، حتى تملك الزوجة طلبته. وحينئذ يلزم ما ذكرناه، لا يقال يبطل بنكاح التفويض، فإنا قد تحررنا عنه بقولنا: وإمَّا حكمًا. فإنها وإن لم يتعين لها حالة العتق شيء، لكنها تملك مطالبته بالفرض وتعيين الصَّداق، لا سيما على مذهب الشافعي؛ فإن مرجعه عنده إلى صداق المثل في الحياة والموت. فقد ظهر أنها ثبت لها حالة العقد شيء تُطالب به الزّوج، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق، فاستحال أن يكون صداقًا. ولَمَّا تقرَّر هذا عند أصحابنا اعتذروا عن قول أنس من أوجه:
أحدها: إنَّه قوله، وموقوف عليه. والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: إن ظاهر قوله: (أعتقها وتزوَّجها) أنه كان قد أعتقها ثم تزوَّجها بَعدُ. وهذا على ما قدمناه في قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} وقوله صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بما بدأ الله)(١) فبدأ بالصَّفا.
وثالثها: إن قوله: (أصدقها نفسها) يحتمل أن يكون أنس لَمَّا لم ير صداقًا، وسُئل عنه، قال ذلك. ويعني به: أنه لم يصدقها شيئًا. ويكون هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.
ورابعها: إنه لو سلم كونه مرفوعًا نصًّا؛ فحينئذ يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم في باب النكاح. وقد ظهرت له فيه خصائص كثيرة، والله تعالى أعلم.
و(قوله: حتى إذا كانت بالطريق جهّزَتها له أُمُّ سُليم، وأهدتها له من الليل)
(١) رواه مسلم (١٢١٨)، وأبو داود (١٩٠٥)، والنسائي (٥/ ١٤٣)، وابن ماجه (٣٠٧٤).