للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمزَةَ مَا أَصدَقَهَا؟ قَالَ: نَفسَهَا أَعتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا،

ــ

لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل، وإلى جمال الولد. وهذا من فعله كما قد نبَّه عليه بقوله: (تخيَّروا لنطفكم) (١).

وأيضًا: فمثل هذه تصلح أن تكون أمًّا للمؤمنين. وحذارِ من أن يظنَّ جاهل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي حمله على ذلك غلبةُ الشهوة النفسانية، وإيثار اللَّذة الجسمانية؛ فإن ذلك اعتقاد يَجره جهلٌ بحال النبي صلى الله عليه وسلم وبأنّه معصوم من مثل ذلك؛ إذ قد أعانه الله تعالى على شيطانه فأسلم، فلا يأمره إلا بخير. وقد نزع الله من قلبه حظَّ الشيطان، حيث شقَّ قلبه، فأخرجه منه، وطهَّره، وملأه حكمة وإيمانًا، كما تقدَّم في الإسراء (٢). وإنما الباعث له على اختيار ما اختاره من أزواجه ما ذكرت لك، وما في معناه، والله تعالى أعلم.

و(قوله: أصدقها عتقها، أو نفسها) استدل بهذا طائفةٌ من أهل العلم على جواز جَعل العتق صداقًا. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، وروي عن ابن المسيب، والحسن، والنخعي، والزهري. غير أن الشافعي يقول: هي بالخيار إذا أعتقها. فإن امتنعت فله عليها قيمتها. ومنع ذلك آخرون؛ منهم: مالك، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزُفر؛ متمسِّكين باستحالة ذلك. ويتقرر ذلك من وجهين:

أحدهما: أن عقدها على نفسها، إمَّا أن يقع قبل عتقها؛ وهو محال؛ لتناقض الحكمين: الحرَّية، والرِّق. فإن الحرية حكمها الاستقلال، والرِّق حكمه الجبر، وهو عدم الاستقلال. فهما متناقضان. وإمَّا بعد العِتق، وهو أيضًا محال؛ لزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز ألا ترضى، وحينئذ لا تنكح إلا برضاها.


(١) رواه ابن ماجه (١٩٦٨)، والبيهقي (٧/ ١٣٣) وانظر: فتح الباري (٩/ ١٢٥).
(٢) انظر الحديث عند مسلم برقم (١٦٢/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>