* وقد رأيتُ أبا حاتِمٍ الرَّازِيَّ سُئل عن حديثٍ -كما في "عِلَل وَلدِه"(١٨٧١،٢٣٩٤) -، رواه بقيَّةُ بن الوليد، قال: حدَّثَنا ابنُ جُريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أُصِيبَ بِمُصِييَةٍ مِن سَقَمٍ، أَو ذَهَابِ مالٍ فاحتَسَب، ولم يَشْكُ إلى النَّاسِ، كان حَقًّا على الله أَن يَغفِرَ له". قال أبي: هذا حَدِيثٌ موضُوعٌ، لا أَصلَ له. وكان بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ، فظنُّوا هؤُلاء أنَّهُ يقولُ في كلِّ حديثٍ: حدَّثَنا, ولا يفتَقِدُون الخَبَر منه" ا. هـ.
* ومَعنَى كلامِ أبي حاتمٍ -عندي- أنَّ علَّةَ الخَبَر هي مِن عَنعَنة بقيَّة بن الوليد؛ لأنَّهُ كان يُدَلِّسُ تدليسَ التَّسويةِ، فلا يقُولَنَّ أحدٌ: إنَّه صرَّح بالتَّحديث من ابن جُريجٍ، بل لا بُدَّ أن يُصَرِّح بالتَّحديث من فوق ابن جُريجٍ فصاعدًا، وهذا معنى قولِه: "لا يفتَقِدُون الخبر منه".
* ونَقَلَ كلامَ أبي حاتمٍ هذا: الذَّهَبِيُّ في "الميزان" (٤/ ٢٩٨)، في ترجَمة: "هشام بن خالدٍ الأَزرَقِ"، ثُمَّ قال: "مِن ثقات الدَّمَاشِقَة، ولكن يَرُوجُ عليه. . . -ثُمَّ قال، مُعقِّبًا على قول أبي حاتمٍ في تدليس بقيَّة:- هذا القولُ ينقُله إلى حديث حِفظِ القُرآن، فهو باطلٌ، وقد قال في: حدَّثَنا" انتهى.
* قلتُ: وأنا لم أَفهَم كلامَ الذَّهَبِيّ. ولا أعلَمُ أنَّ بقيَّةَ روَى حديث حفظِ القرآن الذي نحن بصَدَدِ الكلام عنه، إنَّما رواه الوليدُ بنُ مُسلِمٍ، كما مَرَّ بك، وهو -أعني الوليدَ- يُدَلِّسُ تدليسَ التَّسويةِ كبقيَّةَ.
* فهل أراد الذَّهبيُّ أن يقُول: علَّةُ الخبرِ الذي رواه بقيِّةُ عن ابنِ جُريجٍ، مثلُ عِلَّة الخبرِ الذي رواه الوليدُ بنُ مُسلِمٍ عن ابنِ جُريجٍ؟ فكلاهما صَرَّح بالتَّحديث من ابنِ جُريجٍ، وهذا لا يَكفِي، حتَّى يُصَرِّح بالتَّحديث في جميع الإسناد.
* هل أراد الذَّهَبيُّ هذا المعنَى؟! إن كان أرادّهُ فهذا يَرُدُّ قولَه المُتَقَدِّمَ آنفًا: "الوليدُ بنُ مُسلِمٍ صرَّح بالتَّحديث". وإن كان مرادُهُ غيرَ ذلك، فإنِّي لم أفهمه.